الشيخ عبدالله بن بيه، حين يجتمع العلم مع السياسة
في البداية، أود أن أشير إلى أنني لم ألتق يوما بالشيخ عبد الله بن بيه حفظه الله و ليست لدي أية علاقة و لا معرفة شخصية بمحيطه العائلي رغم كل الإحترام الذي أكنه له و رغم كل التقدير لعلمه و عطائه، كما أنني لم أزر يوما دول الخليج العربي و ليست لدي أية علاقة بأي مواطن خليجي إلا أنني أكره المزايدة و التلفيق و التقول على الناس و شيطنة الأبرياء.
لقد كثر الحديث مؤخرا عن الشيخ عبدالله بن بيه بالكثير مما لا يليق بقدره كمسلم وقور و مقامه كعالم متبحر بلغ مرحلة الإجتهاد. لم يكتف هؤلاء بالإساءة و عدم الإحترام لهذا العالم الجليل بل تعدوا ذلك إلى التقول على الرجل وتحريف أقواله و أفكاره و التقليل من شأن نشاطاته و التهكم على صوره رغم كل ما يتظاهر به هؤلاء من التدين و إحترام الأخوة في الدين و التمسك بالشريعة التي تحرم الإفتراء و التحريف و التزوير .
أولا) الديانة الإبراهيمية.
لقد تقول القوم عمدا أو جهلا على الرجل فصوروا للعامة أنه يدعو إلى ديانة جديدة تسمى الديانة الإبراهيمية رغم ما ينطوي عليه الأمر من اتهام مبطن بالردة و رجوع عن الإسلام، و هو أمر في غاية الخطورة و لا يجوز تلفيقه في حق أي مسلم أحرى أن يكون عالما مجتهدا مشهود له بالإستقامة و الفضل.
لقد بحثت في الأمر و لم أجد ذكرا أو إشارة للرجل تنذر أو تبشر بدين جديد، كل ما في الأمر هو أن هذا العالم الجليل ينفطر قلبه و هو يرى أمة الإسلام تتناحر و يقتل بعضها بعضا، باسم الدين، في حروب عبثية لا نهاية لها و رأى بأم عينه أهل العلم و التدين يخطؤون في التأويل و يلقوا بأوطانهم و أوطان غيرهم إلى التهلكة و ذلك بالإقتتال مع من لا نملك حقا شرعيا لمحاولة قتله و لا نملك طاقة عسكرية لمجابهته، فبحث و اجتهد فتكلم فأسمع و تحرك فأثر و كان شجاعا في صراحته متمكنا من ناصية العلم في إبلاغه متعففا عن اللغو و مجالاته و عن الغلو و أهله.
أشار الرجل إلى أن الدين الإسلامي هو دين محبة و سلام و ليس دين كراهية و حروب كما تصوره الآخر عمدا أو صورناه له خطأ.
كما أشار إلى أن جميع الأديان السماوية تلتقي في هذه الخصال الإنسانية الحميدة و دعى إلى استغلالها و تنميتها و الدعوة إلى استحضارها من أجل التعايش السلمي بين الشعوب الذي أصبح ضرورة عالمية من أجل الإستقرار و التقدم و النمو و الإزدهار و التمتع بنعمة الأمن الذي يعتبر ضروريا لممارسة العبادة التي خلق البشر من أجلها (وما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون) الآية .
لقد قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بترجمة ذلك على أرض الواقع فأنشأت ما يسمى بالبيت الإبراهيمي (لاحظ الفرق بينه و بين تسمية الديانة الإبراهيمية، و هنا يقع التلبيس و تضليل العوام) و هو عبارة عن مكان يضم مسجدا و كنيسة و معبدا يمارس فيه الجميع شعائرهم بكل سكينة ووقار مع احترام تام لشعائر و تعبد الآخر، حتى نظهر للعالم صورة إيجابية عن الإسلام تختلف عن الصورة الدامية التي رسمت له عنا و قرأها في كتبنا. و بالمناسبة ليس الأمر جديدا على البعض، أتذكر أنه قبل خمسة عشر عاما كنت في جامعة من جامعات إحدى الدول الغربية مع عدد من الطلاب المسلمين ثم لاحظنا أن هناك كنيسة في الجامعة يمارس فيها الطلاب المسيحيون شعائرهم ، فقمنا بتقديم طلب إلى رئاسة الجامعة نطالب فيه بحقنا الدستوري في ممارسة شعائر ديننا و لم يكن لديهم مكان في الجامعة لبناء مسجد فقدم أهل الكنيسة و على الفور مقترحا باقتطاع جزء من كنيستهم لنقيم فيه مسجدنا و تم الأمر بكل هدوء و سكينة و وقار و ما زال ذلك المسجد قائما في تلك الجامعة و حتى اليوم يتوارثه الطلاب المسلمون جيلا بعد جيل).
عندما أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن إنشاء البيت الإبراهيمي – و ليس الديانة الإبراهيمية كما يصور لنا البعض- أقامت حفلا بالمناسبة خطب فيه كثيرون من بينهم الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس هيئة الفتوى الأسبق بجامع الأزهر و القس بولا فؤاد رياض كاهن كنيسة مارجر جس المطرية في القاهرة و ماجدة هرون رئيسة الطائفة اليهودية في مصر (لاحظ أن الجميع مواطنون عرب يعيشون في دولهم العربية و لا دخل للشيخ عبد الله ولد بيه و لا دولة الإمارات في أصلهم و لا فرعهم و لا دياناتهم و ذلك عكسا لما يصور البعض للعامة).
ثانيا) المؤتمر الإفريقي للسلام
تكلم كثيرون عن المؤتمر الإفريقي للسلام و صبوا جام غضبهم على الشيخ و ضيوفه و على الدولة الموريتانية و اعتبروا أن موريتانيا قد تم استغلالها للترويج للشيخ و أفكاره، و هذه أيضا مغالطة كبيرة لأن الشيخ يمكن أن يعقد المؤتمر في أية دولة إفريقية نظرا لعلاقاته الواسعة و علاقات دولة الإمارات العربية المتحدة بالدول الإفريقية إلا أن الشيخ أبى إلا أن يقول للعالم لقد تم تكويني و تعليمي في هذا المكان الذي أتشرف اليوم بإظهاره للعالم على حقيقته الوسطية السمحة بعد أن كادت أن تبطش به يد الغلو و التحجر الفكري و التطرف الديني و سطحية الخطاب التكفيري.
ثالثا) مغالطة المقارنة بين مؤتمر بذل السلام و مؤتمر تندوجة
لقد أظهر البعض براعة لا تخلو من تمكن أدبي في بعض الأحيان لإظهار الشيخ عبد الله بن بيه على أنه يعارض بمؤتمره مؤتمر الشيخ سيديا رحمه الله في تندوجه لتظهر رائية الشيخ سيد محمد رحمه الله و كأنها تتحدث عن مؤتمر بذل السلام. إنها لعمري مغالطة أخرى لا يمكن السكوت عليها و ذلك لسببين اثنين أولهما أن الفارق الزمني و الظروف السياسية و الإجتماعية لمؤتمر تندوجه و مؤتمر بذل السلام تختلف اختلافا كببرا يجعل من المقارنة الموضوعية أمرا مستحيلا.
أما ثاني السببين – و قد تجاوزه ما نشر- هو أن مؤتمر تندوجه لم يكتب له النجاح التام و ظل الإخوة في الدين يقتل بعضهم بعضا لأتفه الأسباب و هو ما جعله المجدد الشيخ سيديا باب رحمه الله نصب عينيه في تعامله مع نازلة الإستعمار، فما دام الحفيد قد لاحظ عدم فاعلية التعاطي السياسي لجده و اجتهد بعده بسنين قليلة ليأتينا بفكر سياسي جديد أكثر فاعلية لحقن دماء المسلمين و الحصول على سلطة مركزية، فإنه من الوارد بل من المطلوب أن يكون الفكر السياسي للشيخ عبد الله بن بيه يختلف عن فكر من سبقه بأكثر من قرن من الزمن، و عليه فإن المقارنة قد تكون أكثر موضوعية ببن النظرة الإصلاحية للشيخ سيديا بابه و النظرة التجديدية للشيخ عبد الله بن بيه ثم إن الهجمة التي يتعرض لها الشيخ عبدالله بن بيه تذكرنا بما تعرض له الشيخ سيديا باب و لا يزال عندما اجتهد و آثر مصلحة الأمة على أي شيء آخر.
و أخيرا،
على أصحاب النوايا الحسنة أن ينتبهوا لمثل هذه المغالطات قبل إصدار أحكامهم و على الذين يرون رأيا غير رأي الشيخ أن يجادلوه في ما قال و ليس في ما تقول عليه كما أن عليهم أن يفهموا أن التفقه في علوم الدين شيء و التفقه في علوم السياسة شيء آخر و قد جمعهما الشيخ عبدالله بن بيه و قلما اجتمع الأمران في علماء الأمة فكانت النتيجة كارثية عبر تاريخ الدولة الإسلامية الطويل.
— طابت أوقاتكم —
باب ولد الشيخ سيديا