التعليم : من زاوية الإحراج الأكبر/ سيدي علي بلعمش
ما لم يكن التشخيص دقيقا و مصيبا ، لن تجدوا حلا لأي شيء بأي صدفة أو أي معجزة
ما زالت مشكلة التعليم في البلد مستعصية على كل الحلول رغم الأيام التشاورية و البرامج الحكومية و الندوات و لجان التقييم و كتابات النخبة و دمج الوزارات المربك و فصلها الأكثر إرباكا و أقل فائدة (…).
لا شك أن الانتكاسات في القطاعات الضخمة مثل التعليم و الصحة لا تتم تسويتها بين يوم و ليلة و لا توجد انتكاسة قطعا ، أكبر من 40 عاما من الإهمال و الفوضى و الإفساد..
– يتحدث الجميع اليوم عن ضرورة زيادة رواتب المعلمين و إنشاء المدارس و الحد من عدد التلاميذ في القسم و توفير الكتاب المدرسي و بقية القائمة المطلبية “النقابية” المتذاكية(…).
و كلها أمور ضرورية بالفعل و مؤثرة بكل تأكيد ، لكن لا أحد يتكلم عن المشكلة الحقيقية .. المشكلة الأكبر .. المشكلة الأهم و الأعصى على الحلول ؛ و هي فقيد الوطن و الأمانة ، السيد المعلم المحترم.
لايمكن أن يوجد حل لأي جانب من مشكلة التعليم قبل حل مشكلة المعلم و لا يمكن حل مشكلة المعلم من دون التخلص من كل فيالق وزارة التعليم و مطالبها غير المشروطة بأي أهلية و أي مردودية..
لقد تعلمنا في فصول مكتظة و أحيانا متهالكة .. كانت أيادينا تتلطخ بالحبر .. كنا نراجع على لمبة البترول بروائحها القابضة .. كان الكثيرون (ذكورا و إناثًا) ، يسكنون على بعد عدة كيلومترات من المدرسة و لا توجد سيارات و لا بديل عن المشي على الأقدام صيفا و شتاء ..
كان أكثرنا يتغرب في ظروف صعبة بعد الحصول على شهادة الابتدائية و أحيانا قبلها ، لعدم وجود إعداديات ، ليسكن عند أقارب أو في القسم الداخلي ، في أعمار الزهور..
كنا نسافر عدة أيام في مؤخرات شاحنات كبيرة مع البضائع و الفحم و البهائم لقضاء العطلة أو العودة منها ..
كانت كل الظروف صعبة حد المستحيل . و كنا عباقرة بتبجح :
– كان تفوق بعثات طلابنا في كل أنحاء العالم و في شتى المجالات، مفخرة تباهى بها الجميع حد الانبهار..
– و حتى 1984 ، كان باكلوريا آداب فرنسية في موريتانيا الأول في العالم و الثاني في السنغال و الثالث في فرنسا . و كان باكلوريا الآداب الأصعب و الأغلى قبل انقلاب هرم المفاهيم و المعايير الذي أوصل حتى عزيز للحكم..
كان السر الوحيد خلف هذا النبوغ الخارق هو المعلم الجيد.. المعلم المحترم.. المعلم الملتزم.. المعلم المسؤول.. المعلم المتفاني.. المعلم النظيف.. المعلم الأنيق .. المعلم النموذج الإجتماعي الرائع..
حين يوجد المعلم ، يَسهل وجود الحل لأي مشكلة و في غيابه لا يوجد أي حل لأي مشكلة مهما وفرنا من وسائل خارقة و مهما أوغلنا في التنظير الخاطئ..
– انحطاط المعلم اليوم ، يظهر من خلال :
– اهتماماته السخيفة المكشوفة أمام زميلات ضحيته..
– الأستاذ الثانوي يتغزل علنا بطالباته ، في ما يرى أنه جانب أصيل من فتوته..
– و يوزع الاستاذ الجامعي نقاط التجاوز بما تسمعون في أروقة الجامعة اليوم من قصص مخجلة..
إن البحث عن أي حل لا يبدأ بكنس هذه الجِيَّفِ النتنة ، عبثي و غير جاد بل مخيف على المجتمع أكثر من واقع التعليم المزري ..
و ما صدور مثل هذه التصرفات من المعلم و الأساتذة إلا دليل واضح على ضحالة معارفهم و سوء تكوينهم و بعدهم من مستوى الأمانة و الأخلاق التي ظلت سبب “الوقوف تبجيلا للمعلم”..
و لأن “من هان يسهل الهوان عليه” ، كان من الطبيعي أن يصبح “المعلم”يدق باب كل بيت في كل حي بعصا الأعمى و بلا خجل ، بحثا عن من يريد ساعات إضافية ، بمظهر المهرج و معنويات المتسول..
إذا كان التعميم من الحالة “العامة” ، فمن حقنا أن نعمم هنا بما يضفي التعميم على من يسكتون على سلوك زملائهم المشين..
من سيقف اليوم إجلالًا أو حتى احتقارا ، لمن يغض البصر عن المختلس و يغطي على الخاصة و يوزع النقاط على المزاج
و يحتقر العلم و الأخلاق أكثر من الجميع ؟
مشكلة التعليم الأصعب في موريتانيا اليوم هي المعلم ، لا راتبه و لا تأهيله ، لأنه لا يستحق راتبا في الأصل و يحتاج غسل دماغه للبدء في عملية إعادة تأهيله المستحيلة..
إن تحاشي الجميع الحديث عن حقيقة المعلم و الأستاذ ، لا يمكن أن يكون إلا مؤامرة على الوطن..
و لهذا حُق لنا أن نعمم .
أعطوا راتب وزير لكل معلم و أستاذ .. وفروا له السكن و التقدير و الاحترام ، لكن حين يكون معلما بأخلاقه و معارفه و سلوكه و هندامه و التزامه و ترفعه ؛ أعني ، امسحوا الطاولة بهذه الجوقة الموبوءة المكشرة عن حقارتها و قولوا “في البدء كان المعلم”، لتجدوا حلولا لا أحد يتصور قربها و بساطتها لكل مشاكل التعليم ..
سيدي عال بلعمش