صرخة الوطن من أجل القضاء على الفساد/ محمد عبد الله بين.

في مساءٍ طويل من أمسيات الإدارة الموريتانية، جلس الوزير الأول المختار ولد اجاي مع رؤساء المركزيات النقابية، في اجتماع امتد إلى ساعات متأخرة من الليل، تجاوز فيه النقاش موضوعه الأصلي حول صندوق سكن المدرس، ليغوص في جوهر معضلة أعمق: *الفساد* .
كان التعب وعدم الارتياح باديان على الوزير الأول، ومع ذلك ظل يكرر رجاءه وإلحاحه: “ساعدونا… الفساد يلتهم الدولة، يقوّض النمو، ويهدم ثقة الشركاء”
. كانت تلك الكلمات صرخة مسؤول يعرف أن الخطر أكبر من قدرات سلطة منفردة، وأن المعركة لا تخاض إلا بتكاتف الجميع.
واليوم، وفي اليوم الدولي لمحاربة الفساد، يعود الوزير الأول ليجدد النداء ذاته، لكن بصوت أشد وأوضح: الحرب على الفساد ليست خيارا، بل معركة وجودية تتعلق بمستقبل موريتانيا نفسها.
*الفساد… الخطر الذي يهدد كينونة الدولة*
لم يعد الفساد مجرد انحراف فردي أو سلوك معزول، بل تحول إلى بنية تشبه “الظلّ الموازي” الذي يبتلع مقدرات الدولة ويعرقل كل إصلاح.
إنه الآفة التي:
1. تضعف ثقة المواطن في الدولة
عندما يرى المواطن أن المال العام يتسرب، وأن المناصب تباع، وأن القانون لا يطبق إلا على الضعفاء، تضعف شرعية الدولة في نظره. وفقدان الثقة هو أول خطوة نحو التفكك الاجتماعي واحتقان الشارع.

2. يعطل التنمية ويشوه أولويات الإنفاق
كل مشروع تلتهم أمواله لا يعود مشروعا، وكل طريق تردم أموالها لا تبنى، وكل قطاع تنهب ميزانيته ينهار.
الفساد أكبر معوّق للنمو الاقتصادي لأنه يحول الاستثمار العمومي إلى “اقتصاد ريع” بلا أثر.
3. يدمر صورة موريتانيا لدى الشركاء
المؤسسات الدولية، الممولون، والقطاع الخاص العالمي، يراقبون مؤشرات النزاهة بدقة.
وكلما ارتفع منسوب الفساد، انخفضت الثقة المانحة، وتراجعت فرص التمويل، وخسر البلد شركاءه الطبيعيين.
4. يخنق الإصلاح السياسي والإداري
لا دولة يمكنها الإصلاح إذا كانت شبكات الفساد تتحكم في القرار، وتتسرب إلى مواقع النفوذ، وتمنع كل محاولة للتغيير.
الإصلاح الحقيقي يبدأ من كسر “حصون الفساد” قبل بناء أي سياسات جديدة.
*لماذا أصبحت الحرب على الفساد ضرورة وطنية؟*
لأن الفساد اليوم يهدد كينونة موريتانيا، أي استمرار الدولة نفسها كجهاز قادر على تقديم الخدمات وحماية الحقوق وبناء المستقبل.
ولأن تجارب العالم تؤكد أن الدول التي لم تواجه الفساد مبكرا، دفعت الثمن لاحقا انهيارا اقتصاديا واجتماعياً وسياسياً.
موريتانيا اليوم أمام منعطف:
إما أن تتحول الحرب على الفساد إلى مشروع وطني جامع،
أو تستمر الآفة في التمدد حتى تصبح تكلفة الإصلاح أكبر من قدرة الدولة.
*نحو جبهة وطنية لمحاربة الفساد*
صرخة الوزير الأول المختار ولد اجاي في اجتماعه بالنقابات، وما بعد ذلك من إجراءات جادة ، ثم في اليوم الدولي لمحاربة الفساد، ليست مجرد خطاب رسمي؛ إنها دعوة مفتوحة لبناء جبهة وطنية تضم:
الحكومة وإداراتها
النقابات
المجتمع المدني
الإعلام
السلطة القضائية
المواطن العادي
فالحرب على الفساد لا تخاض بالقرارات فقط، بل بالأخلاق، بالوعي، بالرقابة، وبثقافة جديدة ترى في المال العام “أمانة” لا “غنيمة”.
*صرخة وطن لن تسكت*
موريتانيا اليوم لا تحتاج إلى خطاب جديد، بل تحتاج إلى إرادة جديدة.
صرخة الوزير الأول هي صرخة كل مواطن شريف يريد دولة قوية، قضاء نزيها، إدارة فعالة، ومستقبلا يليق بشعب متطلع.
إنها صرخة الوطن:
إما أن نواجه الفساد جميعاً…
أو نتركه يأكل الدولة قطعة قطعة.

زر الذهاب إلى الأعلى