محمد عبد الله ولد بين، يكتب عن: /منهجية الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في تسيير الشأن العام:”رؤية متأنية للإصلاح ومسار متوازن للتقدم

تأتي زيارة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لولاية الحوض الشرقي في سياق وطني يتسم بتعدد التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتزايد تطلعات المواطنين إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة. غير أن الأهم في هذه الزيارة لم يكن في بعدها التنموي المباشر فحسب، بل في الرسالة السياسية والفكرية التي حملها خطاب الرئيس، حين كشف عن منهجيته في تسيير الشأن العام، قائلاً:

> “منهجيتي في تسيير الشأن العام قائمة على جملة من المبادئ:

أولها التدرج،

ثانيها الصبر،

ثالثها التفهم للواقع ومعطيات السياق،

رابعها محاولة أن يتقدم البلد في الاتجاه الصحيح، وأن يتم ذلك بأقل ضرر للمواطنين، لأنني أحب كافة المواطنين وأحن عليهم جميعاً.”

 

*أولاً: التدرج… إصلاح واقعي بعيد عن القفز على المراحل*

يمثل التدرج في فكر الرئيس الغزواني ركيزة أساسية لإدارة التحول الوطني. فالإصلاح عنده ليس ثورة مفاجئة، بل مسار متكامل يتطلب مراحل مدروسة تراعي استعداد المجتمع وقدرات الدولة.

إنه نهج ينبع من فهم عميق لطبائع التحول في المجتمعات التقليدية، التي تحتاج إلى الإصلاح دون أن تصطدم بثوابتها أو تُربك نسيجها الاجتماعي. ومن هنا، يصبح التدرج ضمانة للنجاح والاستدامة، لا مبرراً للتباطؤ أو التسويف.

*ثانياً: الصبر… رهان الاستمرار في مشروع الإصلاح*

الإصلاح الحقيقي يحتاج إلى نَفَس طويل وصبرٍ استراتيجي، فنتائجه لا تُقطف بين عشية وضحاها.

ومن خلال تبنيه لهذا المبدأ، يوجّه الرئيس الغزواني رسالة مزدوجة:

– إلى المواطنين بضرورة الصبر على مسار التحول الذي لا يمكن اختصاره بالوعود الآنية.

– وإلى الإدارة بضرورة التحمل والانضباط في تنفيذ السياسات العامة بعيداً عن الارتجال.

الصبر هنا ليس انتظاراً سلبياً، بل إصرار على المضي في الإصلاح رغم الصعوبات.

 

*ثالثاً: التفهم للواقع ومعطيات السياق*

ينطلق الرئيس من مبدأ الواقعية السياسية في فهم تحديات الدولة والمجتمع. فهو يدرك أن الإصلاح لا يتم في فراغ، بل في سياق اجتماعي واقتصادي مركّب.

ومن ثم، فإن التفهم للواقع يعني قراءة دقيقة لمواطن القوة والضعف، واستيعاباً لمعطيات الجغرافيا، وتنوّع الهويات، وحدود الموارد.

هذه الواقعية تمثل نقيض الشعبوية، وتُعبّر عن وعي بأن الحلول يجب أن تنبع من الواقع لا أن تُفرض عليه.

 

*رابعاً: التقدم بأقل ضرر… إصلاح برؤية إنسانية.*

حين يقول الرئيس: «أن يتقدم البلد في الاتجاه الصحيح بأقل ضرر للمواطنين»، فإنه يربط التنمية بالعدالة، والسياسة بالأخلاق.

فالإصلاح عنده ليس مجرد تحسين مؤشرات اقتصادية، بل هو مشروع وطني ذي بعد إنساني، يحرص على ألا يدفع المواطن البسيط ثمن التحول.

إنها رؤية تقوم على الرحمة السياسية التي تجعل الإنسان محور التنمية وغايتها، وتضع «الحنوّ على المواطنين» كقيمة حاكمة في القرار العمومي.

*خامساً: دلالات المنهجية السياسية*

تكشف هذه المنهجية عن تحول عميق في الثقافة السياسية الرسمية بموريتانيا، ويمكن تلخيص دلالاتها في ثلاث نقاط أساسية:

1. تأصيل مفهوم الدولة المتدرجة في الإصلاح بدل الدولة المنفعلة بالضغوط.

2. إعادة الثقة بين المواطن والدولة من خلال خطاب صادق ومتواضع.

3. تجذير منطق العدالة الاجتماعية والإنصاف كأساس لأي مشروع وطني جامع.

بين التدرج والصبر… طريق نحو دولة المواطنة

إن حديث الرئيس الغزواني عن منهجيته في تسيير الشأن العام ليس مجرد توصيفٍ لأسلوب حكم، بل هو تصوّر متكامل لبناء الدولة الحديثة.

فالتدرج يمنح الإصلاح واقعيته، والصبر يضمن استمراره، والتفهم يجنّبه الانحراف، والرحمة تجعله إنسانياً وشاملاً.

وبهذا المعنى، يمكن القول إن الرئيس يرسم ملامح مدرسة جديدة في الحكم والإصلاح، تتسم بالتوازن بين الحزم واللين، وبين الطموح والواقعية، وبين التنمية والعدالة.

إنها منهجية البناء الهادئ للدولة الوطنية التي يحلم بها كل الموريتانيين.

زر الذهاب إلى الأعلى