هل يمكن لموريتانيا الاستفادة من رؤية الدكتور بدر الهاجري لتسريع التحول الاقتصادي؟ بقلم: أحمد ولد خطري 

ريادة الأعمال في لحظة التحول العربي

 

يؤكد الدكتور بدر الهاجري أن العالم العربي يمرّ بمرحلة تحوّل نوعي في منظومة ريادة الأعمال، مدفوعة بارتفاع الاستثمارات في الشركات الناشئة، وتزايد وعي الحكومات بأهمية الابتكار كخيار استراتيجي للنمو المستدام. لم تعد ريادة الأعمال نشاطًا هامشيًا أو فرديًا، بل أصبحت مكوّنًا بنيويًا في السياسات الاقتصادية الحديثة، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بتقلب أسعار الطاقة، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، والحاجة إلى نماذج اقتصادية أكثر تنوعًا ومرونة.

 

في هذا السياق، يبرز الهاجري دور الدول العربية التي نجحت في خلق بيئات مواتية لريادة الأعمال، وعلى رأسها مصر وقطر، باعتبارهما نموذجين مختلفين لكن متكاملين في دعم الابتكار واحتضان المشاريع الناشئة.

 

مصر وقطر: نموذجان متكاملان في دعم الشركات الناشئة

 

يرى بدر الهاجري أن مصر تمثل نموذجًا حيويًا لريادة الأعمال القائمة على الكتلة الشبابية، حيث يقود الشباب حركة نشطة لتأسيس شركات ناشئة في مجالات التكنولوجيا، والطاقة، والصناعات الإبداعية. ويعود ذلك إلى انتشار الحاضنات والمسرّعات، وتزايد المبادرات الحكومية والخاصة الداعمة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ما أتاح تحويل الأفكار الابتكارية إلى مشاريع قابلة للنمو.

 

في المقابل، تبرز قطر كنموذج يعتمد على جودة البيئة المؤسسية، من خلال تشريعات مرنة، وبنية تحتية رقمية متقدمة، وحوافز جاذبة مثل “التأشيرة الذهبية”، ما جعلها مركزًا إقليميًا لاستقطاب رواد الأعمال والمواهب من مختلف أنحاء العالم. ويؤكد الهاجري أن هذا التكامل بين الكتلة البشرية في مصر، والبيئة التنظيمية والتمويلية في قطر، يعكس مسارًا عربيًا واعدًا إذا ما تم تعميمه وتنسيقه إقليميًا.

 

ريادة الأعمال كقوة دافعة للتحول الرقمي

 

يشدد الدكتور بدر الهاجري على أن ريادة الأعمال لا تقتصر على خلق فرص العمل، بل تمثل رافعة أساسية للتحول الرقمي، من خلال تطوير حلول تكنولوجية مبتكرة تسهم في تحديث القطاعات التقليدية، وتحسين كفاءة الخدمات، وتعزيز الشفافية والحوكمة.

 

فالتحول الرقمي، وفق هذا التصور، لا يتحقق فقط عبر قرارات حكومية أو استثمارات ضخمة في البنية التحتية، بل عبر منظومة شركات ناشئة قادرة على تقديم تطبيقات ومنصات رقمية مرنة، تستجيب لحاجات السوق والمجتمع بسرعة وابتكار. ومن هنا، تصبح الشركات الناشئة شريكًا استراتيجيًا للدولة في تحديث الاقتصاد، وليس مجرد فاعل اقتصادي ثانوي.

 

تنويع الاقتصاد ودور الابتكار

 

يربط الدكتور الهاجري بين ريادة الأعمال وتنويع القاعدة الاقتصادية، معتبرًا أن الاقتصادات التي تعتمد على مصدر واحد للدخل تظل هشّة أمام الصدمات الخارجية. في المقابل، فإن تشجيع الابتكار والاستثمار في المعرفة والتعليم يفتح المجال أمام قطاعات جديدة، مثل الاقتصاد الرقمي، والصناعات الإبداعية، والتكنولوجيا النظيفة.

 

ويؤكد أن الاستثمار في رأس المال البشري، خاصة في التعليم التقني وريادة الأعمال، هو الشرط الأساسي لتعزيز موقع المنطقة العربية على خريطة الاقتصاد العالمي، وتحويلها من مستهلكة للتكنولوجيا إلى منتِجة لها.

 

رحلة الشركة الناشئة: من الفكرة إلى التمويل

 

يوضح بدر الهاجري أن مسار الشركات الناشئة يمر بعدة مراحل أساسية:

1. مرحلة الفكرة: تحديد مشكلة حقيقية أو فجوة في السوق.

2. مرحلة التطوير: بناء نموذج العمل وإعداد دراسة جدوى واقعية.

3. مرحلة التمويل: وهي الأصعب، حيث تواجه العديد من الشركات صعوبات في الحصول على تمويل بنكي.

 

ويشير إلى أن البنوك التقليدية تميل إلى تفضيل العوائد المضمونة المرتفعة، ما يجعلها أقل استعدادًا لتمويل المشاريع الناشئة عالية المخاطر. لذلك، يدعو إلى تطوير أدوات تمويل بديلة، وتعزيز دور رأس المال المخاطر، وصناديق الابتكار، والشراكات بين القطاعين العام والخاص.

 

خلاصة عامة

 

في مجمل أطروحاته، يقدم الدكتور بدر الهاجري رؤية متكاملة تعتبر ريادة الأعمال:

• محركًا رئيسيًا للتحول الرقمي،

• أداة فعالة لتنويع الاقتصاد،

• وجسرًا لدمج الشباب في الدورة الاقتصادية الحديثة.

 

وتخلص هذه الرؤية إلى أن مستقبل الاقتصاد العربي لن يُبنى فقط بالموارد الطبيعية أو السياسات التقليدية، بل بالاستثمار في الإنسان، والابتكار، وخلق بيئة تمكّن رواد الأعمال من تحويل الأفكار إلى قيمة اقتصادية مستدامة.

زر الذهاب إلى الأعلى