*إشكالية الوعي التربوي: المفهوم والدلالة والأهداف والعلاقة*بالمنظومة التربوية والتنمية/ *محمد عبد الله ولد بين* 

يُعدّ الوعي التربوي من أهم الركائز التي تقوم عليها نهضة الأمم وتطور المجتمعات، لأنه يشكل الإطار الفكري والسلوكي الذي يوجّه العملية التعليمية نحو بناء الإنسان الواعي بقضاياه، المتفاعل مع محيطه، والملتزم بقيم العمل والمواطنة. غير أن إشكالية الوعي التربوي تظل مطروحة في العديد من الأنظمة التعليمية العربية، ومنها النظام الموريتاني، نتيجة ضعف الربط بين المعرفة النظرية والممارسة التربوية، وبين التعليم ومتطلبات التنمية.

 

*أولًا: مفهوم الوعي التربوي ودلالته*

 

يقصد بالوعي التربوي إدراك الأفراد والمجتمع لطبيعة التربية وأهدافها ووظائفها في الحياة، أي وعيهم بدور التعليم في بناء الشخصية وتنمية القدرات العقلية والقيم الأخلاقية.

ويدل الوعي التربوي أيضًا على فهم الأبعاد الفكرية والاجتماعية للمدرسة والمعلم والمتعلم، وعلى إدراك أن التربية ليست مجرد تلقين للمعلومات، بل هي عملية بناء شامل للإنسان في جوانبه الفكرية والوجدانية والاجتماعية.

 

ومن هنا، فإن دلالة الوعي التربوي تتجاوز حدود المدرسة لتشمل المجتمع بكامله، لأن التربية مسؤولية مشتركة بين الأسرة، والمؤسسة التعليمية، والإعلام، ومؤسسات المجتمع المدني.

 

*ثانيًا: أهداف الوعي التربوي وتوقعاته*

 

يهدف الوعي التربوي إلى تحقيق جملة من الغايات، من أبرزها:

 

1. تكوين المواطن الصالح القادر على التفكير النقدي والمشاركة الإيجابية في المجتمع.

2. تحقيق الانسجام بين القيم والمعارف والسلوك من خلال بناء منظومة فكرية متوازنة.

3. تحفيز روح المبادرة والإبداع في الميدانين العلمي والمهني.

4. تعزيز الانتماء الوطني والإنساني عبر فهم عميق لقيم العدالة والتعاون والاحترام.

 

5. ربط التعليم بالحياة حتى لا يبقى التعليم مجرد وسيلة للنجاح الأكاديمي، بل أداة لتغيير الواقع الاجتماعي نحو الأفضل.

أما التوقعات المستقبلية للوعي التربوي فهي أن يؤدي إلى إصلاح شامل للمنظومة التعليمية بحيث تصبح قادرة على تلبية حاجات المجتمع، ومواكبة التحولات العلمية والتقنية، وتعزيز روح المواطنة والالتزام بالقيم الأخلاقية.

 

*ثالثًا: الوعي التربوي والمنظومة التربوية*

 

*العلاقة بين الوعي التربوي والمنظومة التربوية علاقة تفاعل* *وتكامل* ؛ إذ لا يمكن الحديث عن وعي تربوي ناضج دون منظومة تربوية متوازنة، كما لا يمكن للمنظومة أن تنجح في أداء رسالتها دون وجود وعي مجتمعي بدورها.

فالوعي التربوي يُسهم في تصحيح الاتجاهات التربوية، وتحسين المناهج، ورفع كفاءة المعلم والمتعلم على حد سواء.

كما يوجّه السياسات التعليمية نحو تحقيق العدالة والجودة في التعليم، ويمنع تحول العملية التربوية إلى مجرد روتين إداري بعيد عن القيم والأهداف الوطنية.

 

*رابعًا: الوعي التربوي والتنمية*

 

يُعدّ الوعي التربوي شرطًا أساسيًا لتحقيق التنمية الشاملة، لأن التنمية الحقيقية تبدأ من الإنسان المتعلم الواعي بقيم العمل والإنتاج والمسؤولية.

فالتربية الواعية تُنتج موارد بشرية مؤهلة، قادرة على الإبداع، وعلى التفاعل الإيجابي مع تحديات العصر.

ومن ثم فإن بناء الوعي التربوي يوازي في أهميته بناء البنية التحتية الاقتصادية، لأن الإنسان هو محور التنمية وغايتها ووسيلتها.

 

إن معالجة إشكالية الوعي التربوي تستوجب رؤية وطنية شاملة تعيد الاعتبار للتربية باعتبارها استثمارًا في الإنسان، وتربط التعليم بقيم العمل والمواطنة والتنمية. فكل إصلاح تربوي لا يقوم على وعي مجتمعي حقيقي بأهمية التربية، يظل ناقصًا وغير مؤثر.

إن الوعي التربوي إذًا ليس مجرد معرفة نظرية، بل هو سلوك حضاري يُترجم في المدرسة والأسرة والمجتمع، ويشكل الأساس لبناء الإنسان القادر على صناعة المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى