العلامة محمد معروف/يكتب ،الرجل القرآني: الشيخ محمد المختار “خطار” بن أعمر فال السملالي (طالبنا):
الحمد لله الذي رفع أهل القرآن الكريم مكانا عليا
فجعلهم أهله وخاصته وورثة كتابه المصطفين السالكين من الحق صراطا سويا
والصلاة والسلام على سيدنا محمد القائل خيركم من تعلم القرآن وعلمه
فلم يفز بهذه الخيرية إلا معلمو القرآن من سائر طوائف الأمة المكرمة
ورضي الله عن ساداتنا آل البيت الكرام والصحابة الذين حلوا من المجد أرفع سنام
وعن من تبعهم من حملة الشرع الأئمة الأعلام الذين كانوا مصابيح الظلام
أيها الإخوة الشرفاء حضور موسمنا القرآني المبارك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسرني ويشرفني أن أتناول معكم سيرة رجل قرآني بامتياز نذر نفسه لدراسة وتدريس كتاب الله فلم يقتطع منها ساعة لهم دنيوي فما زاول تجارة ولا وظيفة فكانت حياته للقرآن وبالقرآن وفي القرآن
ورغم أن لهذا الرجل منة كبيرة على مجتمعه ويدا بيضاء في سجل تاريخهم الذهبي المشرف فلم تتناول حياته حتى الساعة بالتدوين ولا بالتوثيق شأنه في ذلك شأن سائر أعلام وأعيان القوم وما ذلك إلا لما عرف عن مجتمعنا من الزهد والبعد عن الشهرة وللقوم ما يسوغون به ذلك الموقف من وجهة نظر شرعية
على أن حق الخلف في الاقتداء بالسلف يتطلب اطلاعا ومعرفة بأحوالهم ومناقبهم
لذلك لم يعرف شيء مكتوب عن هذا العلم غير نبذة كتبها الأستاذ الباحث المعلوم بن المرابط عنه في سلسلة كتبها عن أعلام القبيلة وأعيانها
ولد الشيخ محمد المختار خطار علما بدايات ثلاثينات القرن الماضي (حوالي 1933م)، وتوفي نهاية عام 1985م في حياة والده الشيخ الصالح مجاب الدعاء الشريف أحمدي، بن محمد المختار بن سيدي إبراهيم بن أعمر فال الذي تؤثر عنه معه أروع نماذج البرور، عن عمر زاد على الخمسين بسنوات قليلة، حيث دفن بمدينة العيون “لفاش”. ورغم قصر هذا العمر فقد كان عريضا بالأمجاد مليئا بالمآثر
في عام 1956م شد صاحبنا رحمه الرحال ، إلى مرابع أخواله آل ابا السملاليين وهم بيت علم وصلاح توارث السيادة كابرا عن كابر في الحوض الشرقي وحيهم يومئذ عند الخط، فجلس بهمة عالية مع شيخه محمد بن ابا لاستكمال حفظ القرآن، ولم يكن يومها يحفظ إلا ستة عشر حزبا (من ألم إلى فما كان). فكانت همته خير محفز وبركة شيخه أحسن مرشد
وشيخه محمد بن الشيخ بن الشريف أحمد “ابا”، هو الذي يقول عنه المختار بن حامد: (من أعيان العصر، شاعر علامة، اشتهر بالفقه، وبيته بيت علم). وقد أخذ القرآن عن الشيخ سيدي محمد بن سنه، وحج عام 1977م، وتوفي عام 1984م ودفن بالنوارة.
وكانت طريقة الشيخ خطار رحمه الله في الدراسة تنم عن اجتهاد منقطع النظير حصد ثماره فيما بعد وذلك أنه ينقطع للوحه من مساء الجمعة حتى ضحى الأربعاء، فلا يدخل في تلك الفترة إلا على خيمة شيخه وخاله فقط، وفي بقية الأيام يخالط الناس ويتجول في الخيام الأخرى.
وبعد سنتين من الانقطاع لدراسة القرآن الكريم على تلك الحالة، نال الشيخ خطار بغيته بحفظ كتاب الله حفظا متقنا شهد له به القاصي والداني، وذلك في عام 1958م عند التامورة المشهورة “دندارة” بالحوض الشرقي.
كر الشيخ خطار آئبا إلى مرابع بني عمومته بضواحي مدينة العيون، يحمل معه رسالة تعليم وتحفيظ كتاب الله لأبناء المسلمين، ولم يلبث أن اجتمعت عليه محظرة عرفت خلال سني حياته إقبالا شديدا، وظلت تنتقل معه بين العيون المدينة وضواحيها بناحية اغليك السماليل.
مرت بمحظرة الشيخ خطار أجيال كثيرة متنوعة، واستمر عطاؤها على مدى عقود من الزمن، تخرج منها حفاظ كثيرون، وكانت وفاته مصيبة عظمى تركت أثرها العميق في كل بيت من بيوت الشرفاء، فقد كان الشيخ خطار مشهورا ببركة التدريس، قلّ أن يقرأ عليه طالب إلا انتفع انتفاعا بينا، بحسب حظه من الجلوس عنده.
اشتهر بلقبه طالبنا وهو لقب له مدلوله الكبير عند أهل هذه البلاد حيث لا يستحقه إلا من أضاف لحفظ القرآن شرف تدريسه
وقد صار هذا اللقب علما بالغلبة على صاحبنا عند أجيال ما بعد استقلال الدولة من أبناء عشيرته في منطقة لعيون
تميزت محظرته المباركة بأمور منها
كونها جاءت في فترة شهدت ركودا في عدد الرجال المتفرغين للتدريس فقد كانت أحياء العشيرة لا تخلو من أشخاص يأوي إليهم الطلبة من أبناء الحي والأحياء المجاورة فجاءت محظرة طالبنا خطار جامعة لأبناء الأحياء مستقرة في أغلب فصول السنة لا تعرف غير موطنين هما لغليك ولفاش في مدينة لعيون
فزاوجت بين فضيلتي الاستمرار والاستقرار
فكانت بذلك مساهمة في تقري الأهالي بالمدن ونزوحهم عن البادية والترحل
وقد كانت استقامة الرجل على العبادة والسلوك الحميد ذات أثر روحي وتربوي كبير على طلابه بالإضافة إلى الجانب التعليمي
خاتمة وخلاصة
من خلال هذه السيرة المباركة النموذجية نستخلص ملاحظات مهمة
أولاها أن هذا الشيخ خرقت له العادة حيث من النادر أن يحصل طالب العلم في الكبر على بغيته منه سيما حفظ كتاب الله بإتقان وما ذلك إلا ببركة إخلاصه فيه وقوة عزيمته عليه
ثانيها تلك البركة التي عرفت بها محظرته فكثر حفاظها كثرة لافتة بل لم يمر بها أحد إلا حصل على قدر كبير لا يحصل عليه عادة في مثلها ولعل السر في ذلك بركة إخلاصه ويمن بروره لوالده الشريف المبارك الشيخ أحمدي بن أعمر فال رحمه الله
ثالثها بركة الوقت الذي حصل كل هذا الخير الكثير حيث أن صاحبها لم يعمر طويلا ولم يجلس للتعليم إلا متأخرا لتأخر طلبه أصلا ومع ذلك كانت نتائجها كنتائج أطول المحاظر عمرا ووقتا ولعل السر في ذلك شدة احتياج المنطقة آنئذ لها فكانت دعوات الشيوخ رجالا ونساء لها سهاما مسددة المرمى
رحم الله الشيخ القرآني محمد المختار خطار بن أعمر فال ورضي عنه وبارك في ذريته وأهل بيته