محمد عبد الله بين : يكتب عن ؛ الحوكمة في موريتانيا: مقاربة تحليلية شاملة

تُعدّ الحوكمة الرشيدة أحد المرتكزات الأساسية لبناء الدولة الحديثة، لما لها من دور محوري في تعزيز الاستقرار السياسي، وتحسين الأداء الإداري، وترشيد تسيير الموارد المالية، وترسيخ القيم الأخلاقية في العمل العام. وفي السياق الموريتاني، شهدت السنوات الأخيرة ديناميكية إصلاحية متنامية، قادتها أعلى هرم السلطة السياسية، في إطار رؤية وطنية تسعى إلى بناء دولة القانون والمؤسسات، وفي هذا الإطار سيقام بحول الله حوار وطني شامل لا يُقصي أحدًا ولا يترك موضوعًا، بوصفه آلية جامعة لتعزيز التوافق وترسيخ الثقة بين مختلف الفاعلين الوطنيين.
أولاً: الحوكمة السياسية
ترتكز الحوكمة السياسية في موريتانيا على تعزيز الشرعية الدستورية، واحترام مبدأ الفصل بين السلطات، وتوسيع فضاءات الحوار السياسي. وقد شكّل اعتماد نهج التهدئة السياسية والانفتاح على مختلف الفاعلين خطوة مهمة نحو ترسيخ الاستقرار، ويتجلى ذلك في التوجه نحو تنظيم حوار وطني شامل لا يُقصي أحدًا ولا يترك موضوعًا، بما يضمن مشاركة الجميع في صياغة الأولويات الوطنية ومعالجة القضايا الجوهرية بروح تشاركية ومسؤولة.
ثانياً: الحوكمة الإدارية
تسعى الحوكمة الإدارية إلى رفع كفاءة الجهاز التنفيذي، وتحديث الإدارة العمومية، ومحاربة البيروقراطية. وفي هذا الإطار، تم التركيز على:
إصلاح الهياكل الإدارية وتبسيط الإجراءات؛
تعزيز مبدأ الكفاءة والجدارة في التعيينات؛
إدخال أدوات الرقمنة لتحسين جودة الخدمات العمومية وتقريبها من المواطن.
وقد ساهمت هذه الجهود في تحسين أداء الإدارة، رغم استمرار تحديات تتعلق بضعف الموارد البشرية أحياناً، وتراكم اختلالات موروثة من الماضي.
ثالثاً: الحوكمة المالية
تشكل الحوكمة المالية حجر الزاوية في أي إصلاح جاد، لما لها من أثر مباشر على التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. وفي موريتانيا، برز توجه واضح نحو:
ترشيد الإنفاق العمومي؛
تعزيز الشفافية في إعداد وتنفيذ الميزانية؛
تحسين آليات الرقابة على المال العام؛
تقوية دور الهيئات الرقابية والمؤسسات المالية.
وقد ساعدت هذه الإجراءات في الحد من بعض مظاهر الهدر وسوء التسيير، مع السعي إلى توجيه الموارد نحو القطاعات الاجتماعية ذات الأولوية.
رابعاً: الحوكمة الأخلاقية
ترتبط الحوكمة الأخلاقية بمحاربة الفساد، وترسيخ قيم النزاهة والمسؤولية والمساءلة. وقد عرفت موريتانيا في هذا المجال تحوّلاً ملحوظاً، تمثل في:
تعزيز الخطاب الرسمي الرافض للفساد؛
تفعيل آليات المساءلة القانونية؛
تشجيع ثقافة الشفافية في التسيير العمومي.
وتُعدّ الحوكمة الأخلاقية أساساً مكملاً لبقية أنماط الحوكمة، إذ لا يمكن لأي إصلاح إداري أو مالي أن ينجح دون منظومة قيمية تحكم السلوك العام.
خامساً: دور فخامة رئيس الجمهورية من خلال برنامج «طموحي للوطن»
جسّد فخامة رئيس الجمهورية، محمد ولد الشيخ الغزواني، رؤية إصلاحية واضحة من خلال برنامجه «طموحي للوطن»، الذي وضع الإنسان الموريتاني في صلب السياسات العمومية. وقد ركز البرنامج على:
ترسيخ دولة القانون؛
تحقيق العدالة الاجتماعية؛
محاربة الفساد؛
تعزيز الحكامة في التسيير العمومي.
وقد اتسمت هذه الرؤية بالواقعية والحرص على الاستقرار، مع السعي إلى إصلاحات تدريجية عميقة تعالج اختلالات متراكمة دون الإضرار بالسلم الاجتماعي.
سادساً: اضطلع الوزير الأول المختار ولد اجاي بدور محوري في تنزيل التوجهات الرئاسية، من خلال برنامج حكومي واجه تحديات الماضي وصعوبات الحاضر. وقد تميز عمل الحكومة بـ:
إعطاء أولوية لمحاربة الفساد وتعزيز الشفافية؛
تحسين تسيير المال العام وربط الإنفاق بالنتائج؛
تفعيل الرقابة الإدارية والمالية؛
إطلاق إصلاحات عملية في قطاعات حيوية، رغم الإكراهات الاقتصادية والاجتماعية.
كما مثّل التعامل مع الملفات الشائكة الموروثة، بروح المسؤولية واحترام القانون، مؤشراً على جدية التوجه .
يمكن القول إن تجربة الحوكمة في موريتانيا تشهد مساراً إصلاحياً متدرجاً، يجمع بين الإرادة السياسية، والعمل الحكومي، والتطلع المجتمعي إلى دولة عادلة وشفافة. ورغم التحديات القائمة، فإن ترسيخ مبادئ الحوكمة السياسية والإدارية والمالية والأخلاقية يظل رهاناً أساسياً لبناء مستقبل وطني أكثر استقراراً وإنصافاً، يلبّي طموحات المواطنين ويعزز مكانة الدولة.