*سيدي ولد مولاي الزين… حين يثبت الواقع أن النزاهة ممكنة في الإدارة*
في مشهد إداري عربي تعصف به في كثير من الأحيان الشبهات، وترتفع فيه الأصوات الممجّدة بقدر ما ترتفع الأصوات المشككة، يصبح من الضروري أن نقف عند نماذج مغايرة تقدّم لنا دليلًا عمليًّا على أن الوظيفة العمومية يمكن أن تُدار بأخلاق، وأن السلطة يمكن أن تُمارس بضمير، وأن المال العام يمكن أن يُصان دون ضجيج.
ومن بين الأسماء التي تستحق هذا التوقف سيدي ولد مولاي الزين، الذي تولّى الأمانة العامة للمنطقة الحرة في نواذيبو في مرحلة حساسة ومحمّلة بالرهانات.
هذا المقال ليس شهادة للحظة، ولا هو دفاع عابر؛ إنه قراءة في تجربة مسؤول ترك أثرًا منضبطًا في مؤسسة تحتاج بطبيعتها إلى النزاهة قبل كل شيء.
*أولًا: السياق… ولماذا يكتسب النموذج قيمته؟*
تُعدّ المنطقة الحرة واحدة من أكثر المؤسسات حساسية في البلاد:
بوابة للاستثمار، وحاضنة لمشاريع كبيرة، وواجهة اقتصادية للدولة.
وفي مثل هذه المؤسسات تتشابك المصالح، وتتقاطع الضغوط، وتتكثف فرص الانحراف الإداري.
لذلك فإن ظهور مسؤول يعمل في مثل هذا المحيط بيد نظيفة وذهن شفّاف وأسلوب واضح يجعل من تجربته حالة تستحق التحليل، لا مجرد الثناء.
*ثانيًا: النزاهة ليست ادّعاءً… بل ممارسة يومية*
لم يكن سيدي ولد مولاي الزين ممّن يرفعون الشعارات أو يتغنّون بالأخلاق في المؤتمرات.
كان من النوع العملي الذي يترك للملفات أن تتحدث، وللسجلات أن تشهد، وللإجراءات أن تبرهن.
ومن يعرفه أو عمل معه يدرك ثلاثة أمور ثابتة:
1. احترام صارم للمساطر:
القرارات تمر عبر القنوات الصحيحة.
لا أوراق خارج السجلات.
لا تعليمات “شفهية” تُستغل لاحقًا.
2. مسافة واحدة من الجميع:
لا ولاءات ضيقة.
لا تفضيل لأشخاص أو مجموعات.
لا تدخلات من أي نوع تؤثر على مسار ملف.
3. صفاء اليد:
وهو أخطر وأهم معيار في أي منصب إداري.
فقد خرج كما دخل:
لا حسابات انتفخت،
ولا مشاريع جانبية ظهرت،
ولا علاقات مالية أثارت الشبهات.
*ثالثًا: لماذا تستهدف النزاهة؟*
من يتابع المشهد العام يعرف أن المسؤول النظيف ليس دائمًا محط ترحيب من أصحاب المصالح.
فالشفافية تُربكهم،
والإجراءات الواضحة تضيق عليهم،
وإغلاق الأبواب الخلفية يزعجهم.
لذلك يظهر — كما ظهر في حالات محدودة — من يحاول إلصاق التهم بالرجل.
لكن التهم — مهما علت أصواتها — تبقى بلا جذور عندما يقف أمامها سجلّ نظيف، وواقع مشهود، وتجربة لا تحمل أثقالًا ولا ملاحظات.
والقاعدة بسيطة:
من يتهم مسؤولًا نزيهًا بغير دليل إنما يفتري عليه ويسيء للإدارة أكثر مما يسيء للشخص نفسه.
*رابعًا: إرث يستحق التقدير*
كان يمكن لسيدي ولد مولاي الزين أن يؤدي عمله في صمت، ويغادر في صمت، دون أن يُذكر اسمه.
لكن ما فعله — دون أن يبحث عن ضوء أو صخب — هو ما يجعل من تجربته نموذجًا إداريًّا يُبنى عليه:
إرساء وضوح في الإجراءات؛
تحسين العلاقة بين الموظف والإدارة؛
ضبط القرارات؛
وإعطاء صورة إيجابية عن مؤسسات الدولة في محيط اقتصادي حساس.
هذه ليست إنجازات صاخبة، لكنها إنجازات راسخة؛
وهي التي تصنع الفارق بين إدارة فوضوية وإدارة محترمة.
*خامسًا: كلمة أخيرة…*
لماذا يهمّنا الدفاع عن الحقيقة؟
لأن الدفاع عن المسؤول النزيه هو دفاع عن معنى الوظيفة العمومية نفسها.
وحين نقول إن سيدي ولد مولاي الزين كان أمينًا مستقيمًا في فترته أمينًا عامًا للمنطقة الحرة، فنحن لا نصنع فضيلة من فراغ؛ نحن نقرر حقيقة يعرفها من عمل معه، ومن تابع سير الملفات، ومن رأى آثاره العملية.
وفي زمن تُستخدم فيه الاتهامات كسلاح، يجب أن يُقال بوضوح:
التشويه لا يصنع واقعًا،
والافتراء لا يلغي النزاهة،
والأسماء النظيفة تبقى ثابتة مهما علا غبار الادعاءات.