الانضباط في خدمة التعهدات:/دلالات تصريح رئيس الجمهورية في تمبدغه.

في خطابٍ يحمل نَفَسًا إصلاحيًا ورسالةً سياسية حازمة، أكد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني خلال زيارته لمدينة تمبدغه أنه «لن نقبل بيننا من لا ينخرطون معنا في برامج تعهداتنا للشعب الموريتاني».

يأتي هذا التصريح في لحظة سياسية دقيقة تتسم بمرحلة تقييم الأداء الحكومي وتكريس مبدأ المسؤولية في تنفيذ البرامج التنموية الكبرى التي التزم بها الرئيس أمام الشعب الموريتاني. وهو بذلك يوجّه رسالة واضحة مفادها أن خدمة المواطن والالتزام بالبرنامج الوطني ليسا خيارًا، بل واجبًا ومقياسًا للبقاء في مواقع المسؤولية.

أولًا: دلالات التصريح ومقاصده

يحمل تصريح الرئيس عدة دلالات استراتيجية:

تأكيد الانسجام المؤسسي: فنجاح أي مشروع وطني يتطلب وحدة الرؤية وتناسق الجهود داخل الإدارة، بعيدًا عن التناقضات والمصالح الضيقة.

ترسيخ مبدأ الولاء للبرنامج لا للأشخاص: فالرئيس يريد جهازًا إداريًا يضع برنامج “تعهداتي” فوق الحسابات الشخصية أو الفئوية أو الحزبية.

الانتقال من ثقافة التسيير التقليدي إلى ثقافة النتائج: حيث لم يعد مقبولًا أن يُقاس أداء المسؤولين بالولاء أو الخطاب، بل بما يحققونه فعليًا من نتائج تخدم المواطن.

وفي هذا السياق، حرص رئيس الجمهورية على تبديد الشائعات حول وجود خلافات داخل الفريق الحكومي، مؤكدًا وحدة الصف والانسجام في العمل التنفيذي، حيث قال:

> “أؤكد بشكل واضح أنه لا وجود لأي خلاف داخل الفريق الحكومي، فنحن نعمل بروح واحدة ومنهجية واحدة، هدفها الوحيد هو خدمة الشعب الموريتاني وتنفيذ تعهداتنا له بكل صدق وجدية. قد تختلف الأساليب أو وجهات النظر أحيانًا، لكننا جميعًا نسير في اتجاه واحد، هو تحقيق مصلحة الوطن وتسريع وتيرة التنمية.”

هذا التصريح يبرز حرص الرئيس على وحدة القرار الحكومي وتماسك المنظومة التنفيذية، مما يعزز الثقة في قدرة الدولة على تنفيذ التزاماتها بفعالية وانسجام.

ثانيًا: البعد الإصلاحي والسياسي للخطاب

يتناغم هذا الموقف مع التوجه العام الذي ميز خطابات الرئيس الأخيرة، خصوصًا في انبيكت لحواش والنعمة، حيث شدد على محاربة الفساد، ونبذ القبلية، وتصحيح الاختلالات الاجتماعية والإدارية.

ويبدو أن الرئيس يسعى إلى إعادة بناء الدولة على أسس جديدة قوامها الكفاءة والانضباط والجدية، بما يضع حدًا لمرحلة “اللامساءلة” التي عانت منها الإدارة الموريتانية لعقود.

كما يحمل الخطاب رسالة سياسية داخلية إلى النخبة الحاكمة ومراكز القرار، بأن المرحلة المقبلة لن تقبل بالحياد أو التراخي، وأن معيار القرب من الدولة هو الإخلاص للبرنامج الوطني لا غير.

ثالثًا: انعكاسات الموقف على العمل الحكومي والمجتمع

على المستوى العملي، يمكن أن يشكل هذا التصريح منعطفًا في منهج التسيير العمومي، إذا ما تُرجم إلى إجراءات ملموسة، مثل:

تقييم أداء الوزراء والإدارات بناءً على مؤشرات تنفيذ البرنامج الرئاسي.

إبعاد المسؤولين المتقاعسين أو غير المنسجمين مع رؤية الإصلاح.

 

تشجيع الكفاءات الوطنية القادرة على تحقيق الأهداف التنموية.

أما على المستوى المجتمعي، فهو يبعث رسالة أمل بأن العهد الجديد في الحكم يسعى فعلاً إلى الوفاء بالتعهدات، عبر ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإشراك الجميع في خدمة مشروع وطني جامع.

إن تصريح رئيس الجمهورية في تمبدغه ليس مجرد موقف عابر، بل هو بيان سياسي وإداري يؤسس لمرحلة جديدة من الانضباط والجدية في العمل العمومي.

فحين يقول الرئيس «لن نقبل بيننا من لا ينخرطون معنا في برامج تعهداتنا»، ويؤكد في الوقت ذاته على وحدة الصف الحكومي، فإنه يضع معيارًا أخلاقيًا وسياسيًا لإدارة الدولة، قوامه الولاء للوطن لا للولاءات، والوفاء بالتعهدات لا بالاكتفاء بالشعارات.

وإذا ما تكرّس هذا النهج عمليًا، فسيشكل خطوة حاسمة نحو بناء دولة المواطنة والتنمية والإنجاز التي ينشدها الموريتانيون جميعًا.

بقلم د. محمد عبد الله بين

زر الذهاب إلى الأعلى