*نحو خطاب وطني جامع: قراءة تحليلية في دعوة الوزير الأول المختار ولد اجاي*
تعيش موريتانيا في السنوات الأخيرة تحولات سياسية واجتماعية دقيقة، تتقاطع فيها الحاجة إلى تعزيز الدولة الحديثة مع تحديات الإرث القبلي والجهوي والفئوي. وفي هذا السياق، شكّلت زيارة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني للحوض الشرقي منعطفاً مهماً من خلال خطاباته الداعية إلى ترسيخ قيم المواطنة، والحدّ من تأثير الانتماءات الضيقة، وتأكيد مركزية الدولة في تنظيم الشأن العام.
وقد استثمر الوزير الأول المختار ولد اجاي هذا الزخم السياسي ليُوجّه رسالة واضحة إلى الوزراء والولاة، محورها التصدي لخطابات الكراهية، وضبط مشاركة موظفي الدولة في الاجتماعات القبلية والطائفية والفئوية، ومنع استغلال النزاعات المحلية في بناء النفوذ السياسي أو الإداري.
*أولاً: دلالات التحول في الخطاب السياسي الرسمي*
تتجلى أهمية هذا الموقف في أنه يأتي ضمن مسار إصلاحي بدأه رئيس الجمهورية يقوم على:
1. *إعادة الاعتبار للمواطنة* كمرجعية فوق كل الانتماءات التقليدية.
2 *. تحييد الإدارة عن الاصطفافات القبلية،*
بما يضمن تكافؤ الفرص ونزاهة القرار العمومي.
*3. تقليص تأثير البنى التقليدية* في صناعة الولاءات السياسية وفي توزيع الموارد.
*4. بناء خطاب جامع يستوعب* التنوع الثقافي والعرقي دون تحويله إلى أدوات صراع.
بهذا المعنى، فإن دعوة الوزير الأول ليست مجرد توجيه إداري، بل هي امتداد طبيعي لتوجه سياسي يسعى إلى ترميم العقد الاجتماعي وإعادة رسم علاقة المواطن بالدولة.
*ثانياً: أهمية ضبط سلوك موظفي الدولة*
إن حظر مشاركة الموظفين العموميين في الاجتماعات القبلية والطائفية والفئوية يحمل أبعاداً متعددة:
– بعد قانوني: الموظف العمومي ممثل للدولة ولا يجوز له الانخراط في أنشطة قد تُفهم باعتبارها تحيزاً أو اصطفافاً.
– بعد إداري: ضمان حياد الإدارة شرط أساسي لفاعلية السياسات العمومية ولثقة المواطنين في المؤسسات.
– بعد اجتماعي: حضور المسؤولين الرسميين في تلك التجمعات يمنحها شرعية ويُعيد إنتاج الولاءات التقليدية على حساب المواطنة.
وتزداد أهمية هذا الحظر في مناطق مثل الحوض الشرقي، حيث تتداخل العلاقات القبلية مع إدارة الشأن المحلي، مما يفتح الباب أمام توظيف الانتماء التقليدي في التنافس على النفوذ واستغلال النزاعات القبلية.
*ثالثاً: مواجهة خطاب الكراهية والتفرقة*
إن تحذير الوزير الأول من خطاب الكراهية والتحريض الإثني يعكس وعياً رسمياً بخطورة هذه الظاهرة على السلم الاجتماعي. فالخطابات العنصرية أو الفئوية:
تضعف الانسجام الوطني؛
تؤسس لدوائر مغلقة من الثقة والولاء؛
وتُحوّل النزاعات البسيطة إلى صراعات ممتدة.
ومن هنا تأتي أهمية الدعوة إلى خطاب وطني جامع يجعل من التنوع قوة لا تهديداً، ويرسخ مبادئ العدالة والمساواة والاحترام المتبادل بين المواطنين.
*رابعاً: البعد السياسي للدعوة*
يمكن قراءة هذه التوجيهاتت باعتبارها إعلاناً عن بداية تحول في أسلوب الحكم لدى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، يقوم على:
– تعزيز سلطة الدولة وتقليص نفوذ البنى الموازية؛
– إعادة هيكلة علاقة الإدارة بالمجتمع المحلي؛
– تقوية الأسس المدنية الحديثة للحكم؛
– وقطع الطريق أمام الاستثمار السياسي في الانقسامات الاجتماعية.
وهو تحول من شأنه أن يرفع من مستوى الأداء الحكومي، ويحسن المناخ السياسي، ويمنح الدولة القدرة على تنفيذ المشاريع التنموية دون عوائق قبلية أو فئوية.
إن دعوة الوزير الأول المختار ولد اجاي ليست حدثاً معزولاً، بل خطوة مهمة ضمن مشروع سياسي يسعى إلى تحصين الوحدة الوطنية وبناء دولة تستند إلى القانون لا الولاء، وإلى المواطنة لا العصبية.
وتثمين هذه الدعوة يعني دعم التحول نحو خطاب جامع يُعيد ترتيب الأولويات الوطنية، ويمنح موريتانيا فرصة تاريخية لإعادة إنتاج نظامها الاجتماعي والسياسي بما ينسجم مع متطلبات الدولة الحديثة.