*محمد عبد الله بين.* يكتب* موقفي من : بيان جياو عبدالله ردًّا على الزعيم بيرام الداه أعبيد*
يمثل بيان دياو عبدالله (AKS) موقفًا سياسيًا متماسكًا يقوم على ثلاث ركائز واضحة: الدفاع عن السيادة النضالية الوطنية في السنغال، رفض التوظيف الخارجي للصراعات الاجتماعية، والاحتفاء بنموذج سياسي يعتبره أكثر انضباطًا واتزانًا. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إنّ الخطاب يمتاز بعدة نقاط قوة تستحق التثمين:
1. وضوح الموقف وصدق الانحياز للقضية الوطنية السنغالية
يُحسب للكاتب أنه يضع حدودًا واضحة بين النضال السنغالي الداخلي وبين محاولات استثماره سياسيًا من الخارج. وهذه نقطة جوهرية؛ لأنّ الثورات الوطنية — حين تُستورد أو تُستغل — تفقد نقاءها وسياقها.
يأتي هذا التذكير في لحظة حساسة، ويعكس حرصًا على حماية خصوصية التجربة السنغالية ومسارها.
2. إبراز الفروق المنهجية بين نمطين من الفعل السياسي
يختلف خطاب الكاتب عن الخطابات الهجومية التقليدية؛ فهو لا يكتفي بنقد شخصي، بل يعقد مقارنة منهجية بين أسلوبين:
منهج يقوم على الصراع والهويات المتشابكة كما يرى أنه يميز خطاب بيرام،
ومنهج يستند إلى الانضباط والمشروعية الفكرية والمؤسسية كما ينسبه لحزب باستيف.
هذا التفريق يكشف عن رؤية سياسية أعمق تحاول أن تُعيد تعريف “النضال” بوصفه بناءً مؤسسيًا لا مجرد صدام هوياتي.
3. الدفاع عن فكرة “النضال الجمهوري” ضد خطاب الشحن المجتمعي
يركّز البيان على امتيازات النموذج السنغالي، خصوصًا تجنبه للانزلاق في خطاب الكراهية أو التطييف أو الاستقطاب، وهذه نقطة قوة مهمة.
فالكاتب يقف هنا مع مدرسة ترى أن التغيير السياسي لا يجب أن يمر عبر تمزيق المجتمع، بل عبر تعبئة وطنية واعية ومسؤولة.
4. صراحة في نقد توظيف الرموز والجوائز
يشير البيان إلى أن الشرعية الأخلاقية والسياسية لا تأتي من الجوائز الدولية بقدر ما تأتي من السلوك والممارسة الفعلية.
هذا موقف ناضج يُعيد الاعتبار إلى معيار الأخلاق السياسية، ويُذكّر بأنّ الرمزية لا يمكن أن تُغني عن السلوك.
5. خطاب يثمّن التجربة الديمقراطية في السنغال ويحترم إرادة شعوب المنطقة
يُثنى على “الثورة السنغالية” باعتبارها تعبّر عن إرادة وطنية خالصة، ويُدافع عن حق السنغاليين في حماية مسارهم من التأويلات الخارجية.
في هذا البعد، يبدو الخطاب مخلصًا لمنطق احترام الدول والشعوب وحقها في رسم مستقبلها.
6. نظرة موريتانية ناضجة تُقدّم نموذج معارضة مسؤولة
ختم البيان برسالة حول معارضة موحدة ومسؤولة في موريتانيا.
هذا يعكس وعيًا بأنّ القيم التي يتم الدفاع عنها في السنغال هي نفسها التي يجب أن تقوم عليها الحياة السياسية في البلدان المجاورة:
العدالة
احترام الخصوصيات الوطنية
نبذ التلاعب
ومحورية الشعب في أي تغيير.
هذا الربط يصنع خطابًا متوازنا يُظهر التزامًا مبدئيًا لا مجرد اصطفاف سياسي
الطرح قوي في بنائه، واضح في رسائله، صريح في تفريقه بين النضال الحقيقي والتوظيف السياسي، ويتميز بنزاهة خطابية تُعلي من قيمة الأخلاق السياسية والانضباط الجمهوري. كما أنه يُبرز نموذجًا محترمًا للمعارضة الوطنية في موريتانيا، مع التزام بالقيم الديمقراطية ورفض الاستقطاب.
إن قوة هذا البيان أنه لا يكتفي بردّ سياسي، بل يقدم رؤية ويؤسس مبدأ، ويُعيد النقاش إلى مستوياته الأخلاقية والمؤسسية، بعيدًا عن الشخصنة، قريبًا من جوهر السياسة المسؤولة.