القيادي الناصري: محمدن التمين فى الجزء الثاني من حديثه عن تاريخ الناصريين

 

س: توقفنا في الحلقة السابقة عند أحداث 1967 وما خلفته النكسة من تأثير سلبي على الساحة القومية، وخاصة التيار الناصري، كيف تم التعامل مع هذه الوضعية؟

ج: لا شك أن تاريخ 1967 كان مفصليا بالنسبة للتيار القومي في الوطن العربي عموما وبالخصوص فى موريتانيا، وبموجب ارتباط هذا التاريخ بما قبله من تاريخ موريتانيا الحديثة كان علينا أن نعود قليلا إلى الوراء للكشف عن الظووف المرتبطة بالحدث الأهم (نكسة 1967) باعتبار أن الطرق المؤدية إلى أرض المعركة تعتبر جزءا منها، وجد هذا التاريخ موريتانيا على صفيح ملتهب، ولكم أن تقدروا ما تتحمله موريتانيا في تلك الظروف من الصدمات: حديثة عهد بالاستقلال، مقطوعة من أصلها العربي، مشكك في وجودها أصلا، تفتقر إلى كل شيء، وحدتها مهددة، معرضة لأطماع أجنبية، الصراع بين التعريب والفرنسة على أشده، وخصوصا بعد صدور القانون 24,026 الصادر عن الجمعية الوطنية بتاريخ 30 يناير1965 والقاضي بتعليم العربية والفرنسية في التعليم الثانوي بصورة إلزامية، مما حرك مجموعة من الأطر والمدرسين الزنوج لتعبئة التلاميذ على الإضراب عند الافتتاح المقبل والذي تم تنفيذه يوم 4/1/1966 حيث أدعم ببيان19 موظفا ساميا من الزنوج بقيادة رئيس البرلمان آنذاك با ممدو صمبا بولي، وفي يوم 8 يناير 1966 نشرت مجموعة أخرى 31 فردا من أطر الزنوج منشورا تثمن فيه بيان 19 وتساند فيه إضراب التلاميذ الزنوج،

ومن تداعيات هذه الأحداث في تاريخ 2/2/1966 صدر ما يسمونه منشور “البظان” المعنون بـــــ”صوت الشعب” يساند قانون 30 يناير1965 ويطعن في مشروعية المرسوم الذي أرادت من خلاله الوزارة معالجة الأزمة، والذي ينص على عدم شمولية القانون في التطبيق على من سبقوه من التلاميذ؛

فتحت المدارس من جديد يوم 4/2/1966 إلى أن وقع الشجار بين التلاميذ في مساكن الطلاب يوم 8/2/1966 ليمتد غدا إلى أحياء المدينة وما ترتب عن ذلك من أحداث مؤسفة، أدت إلى قتلى وجرحى كثر، تمت على أثرها اعتقالات ومحاكمات شملت حوالي 40 شخصا من الطرفين؛

كان التيار القومي غير بعيد عن هذه الأحداث مع أنه لم يشارك في المجابهات عن قصد وسابق تخطيط.

غير أنه كان للقوميين العرب مطالب وتظلمات أشمل من إدخال ساعات من العربية في توقيت التعليم الثانوي، كانت مطالبهم في هذا المجال متمثلة في المطالبة بالتعريب الشامل، والمساواة بين معلم العربية ومعلم الفرنسية، حيث كان راتب معلم الفرنسية 5000 أوقية وراتب معلم العربية لا يتجاوز2500، ومعلم العربية لا يحق له أن يكون مديرا لمدرسة ولو كان أعلى رتبة من معلم الفرنسية؛ كانت هذه المطالب تتابعها رسميا نقابة التعليم المؤسسة الرسمية الوحيدة في ذلك الوقت، يساندها طلاب الثانويات الذين أصبحوا على وعي كامل ومقدرة على تحمل المسؤولية؛

كان يقود النقابة في فتراتها المتلاحقة مجموعة من الشخصيات الوازنة: محمد المامون بن الشيخ سعدبوه، عبدو بن أحمد، ومحمد بن دداه الذي تعرض للسجن مع مجموعته ردحا من الزمن، وكذلك المناضل الناصري حقا الأستاذ حمدي بن أحمد فال الذي أتيح له أن يلتقي جمال عبد الناصر أثناء تجواله قي المشرق حيث عاد إلى موريتانيا متشبعا بالفكر الناصري فأشعلها ثورة ناصرية على جميع الأصعدة:( الصعيد الثقافي، الصعيد السياسي، الصعيد الفكري… )، كان رحمه الله من أعظم دعاة التعريب حين انتقل إلى مدينة العيون ليحضر مؤتمر حزب الشعب المنعقد فيها خلال الأيام 24,25,26 يونيو 1966 ويطلقها من هناك صرخة مدوية:

لسان الضاد يرمق بالعيون @ إليك اليوم مؤتمر العيون

ففكر في ديون الضاد حلت @ أمؤتمر العيون ف بالديون.

ذلك المؤتمر الذي كان من بين مخرجات إنشاء لجنة لمعالجة المشكل الثقافي من أجل الوصول إلى ازدواجية تضع اللغة العربية تدريجيا على قدم المساواة مع اللغة الفرنسية؛

وكان من بين الرجال الذين شاركوا في المجهود القومي بكل شجاعة وإخلاص المدير الجهوي للتعليم في نواكشوط محمد الأمين بن سميدع والد المرحوم سيد محمد بن سميدع، ذلك الثوري الشجاع الذي سخر لنا مطبعة الإدارة في ظرف تنعدم فيه المطابع العربية، في موريتانيا، تلك المطبعة التي مكنتنا من إصدار جميع مطبوعاتنا بالعربية، وعندما تضايقت الدولة من نشاط سميدع الإبن داخل المؤسسات التعليمية ومع نقابات التعليم مما أصبح في نظرهم يهدد الأمن الهش، استدعت الدولة سميدع الأب وقالت له بالحرف ” سـَـكْنُ عنًَ ؤلدكم هذا” فلم يزد على أن قال لهم ” وآن امن إسكني”

 

خلال هذه الوضعية الملتهبة داخليا جاءت أحداث النكسة 1967 التي أشعلت الساحة العربية ولم تك موريتانيا أخفها تأثرا بتلك النكسة وذلك لضعف بنيتها أصلا وانعدام مساعديها، فوقف الاتجاه العربي حائرا من هول الصدمة قبل أن يتفرقوا شيعا… البعض ممن لم يتحمل الهزيمة انسلخ من القومية العربية وما يؤول إليها، معوضا عنها بالفكر الشيوعي وهو ما توفر تلك الأيام بموجب افتتاح السفارة الصينية الماوية في نواكشوط والتى وفرت الكثير من الكتب والمراجع الشيوعية؛

فيما بقيت مجموعة من القوميين تصارع الظروف البالغة الصعوبة (النظام الرافض تلبية مطالب الاتجاه القومي، الشيوعيين الحاملين هَمِّ الفرنسة بحكم تفرنس قاعدتهم الإفريقية العريضة، وارتدادات النكسة داخليا وخارجيا).

 

س: هذه الفترة تزامنت مع ظهور بعض الحركات السياسية مثل: حركة الكادحين، وحركة البعثيين، ككيانات منظمة، أين أنتم في هذه الوضعية ؟ وكيف تعاملتم معها؟

ج: كان ظهور هذه التنظيمات طبيعيا فى تلك الظروف، حيث تأسست الحركة الوطنية الديمقراطية صاحبة التوجه الشيوعي، مؤسسة من طرف زملائنا أطر القومية العربية، مستقطبين أطر وطلاب الزنوج الذين كانوا على خلاف مع النظام بموجب أحداث التعريب، كان ظهور هذه الحركة سنة 1968 كما تزامن ذلك مع تأسيس حزب البعث الموريتاني في نفس السنة، وعلى الرغم من ذلك ظل التيار الناصري يساير حزب البعث في مواقفه القومية، وحينا ينفرد التيار الناصري بأمره عندما يتعلق الأمر بالشأن الديني، وكان حزب البعث يتخذ قراراته بمعزل عن الناصريين، والتيار الناصري قراراته تتخذ في خلاياه المغلقة المنتشرة على جميع التراب الوطني، وظل الصراع محتدما على استقطاب الساحة بين الشيوعيين من جهة، والتيار القومي ككل من جهة، وقد يكون بين التيار الناصري وبين الشيوعيين على أساس عقدي، حيث كان الناصريون والكادحون (الشيوعيون) يشتركون في نقاشات حادة تقود في بعض الأحيان إلى أعمال عنف، من أمثاله ما وقع بين مجموعة من الكادحين ومجموعة من الناصريات بقيادة البنت “السنيه جاو” (من أصل إفريقي) خالها الضابط المرحوم اسويدات ولد وداد، حيث قامت ” السنية جاو” لأداء الصلاة، فانتقدها أحد الكادحين قائلا: قطعت نقاشنا بهذه الخزعبلات، فكان ردها عليه هو أن صفعته على الوجه وتابعت صلاتها، وبعد انتهائها من الصلاة سألت عن صحة صلاتها؟ فقلنا لها هذه هي أصح صلواتك. ونفس الاحتكاك وقع لأحمد بن الطلبه عندما كان في نقاش مع أحد الطلبة الموريتانيين في الكويت فتفوه الأخير بكلمات لا تليق بجلال الله فصفعه أحمد بن الطلبه حتى سقطت بعض أسنانه. كان هذا المتضرر رحمه الله زميلي فيما بعد فى التدريس. وذات يوم عيره بعض مناوئيه بأن أحمد بن الطلبه رفسه على الوجه حتى سقطت بعض أضراسه.

كان الكادحون يلقبون الناصريين بالإخونجيين وهذا طبعا قبل ظهور الأخوان المسلمين الموريتانيين في أواخر السبعينيات. وقد استبشر الناصريون بظهور الإخوان، آملين منهم المساعدة في مكافحة المد الشيوعي الذي أصبح يهدد البلاد بتأثيره على عقائد الناس ولكن جرت الرياح بما لا تشتهى السفن، فما إن اشتدت سواعد الإخوان حتى وجهوا سهامهم إلى التيار الناصري من أجل أن ينفردوا بالساحة ويبقوا هم وحدهم المدافعين عن الدين فى الوطن، يتسلحون فى هجومهم على الناصريين بما ينسقونه من ترهات مكذوبة حول ما جرى بين جمال عبد الناصر والإخوان، ولولا المرحوم محمد سالم بن عدود (شعره، خطبه، محاضراته)، المنوهة بالثورة الناصرية، وبالمواقف الدينية والقومية لجمال عبد الناصر، لأقنع الإخوان بعض السذج بعدم إسلام عبد الناصر ومن تبعه.

أما في ما يخص التيار البعثي فقد بقينا نحن وهم في انسجام شبه تام نصارع حزب الشعب من جهة والحركة الشيوعية من جهة أخرى حتى بعد تأسيس حزب البعث الموريتاني 1968، حين اشتركنا في مشاورات بالغة السرية والخطورة، لا تجرى إلا بين مجموعات في غاية الانسجام والثقة المتبادلة، كانت هذه المشاورات تتم على أعلى المستويات حيث يترأس جانب البعثيين المغفور له بإذن الله محمد يحظيه بن ابريد الليل، كانت آخر هذه المشاورات الحساسة حسبما أعلم تلك التي تمت 1978 قبل الانقلاب تحضيرا له، ومن شدة الانسجام مع البعثيين أـننا رشحنا ممد بن أحمد لرئاسة الشباب في مؤتمر الشباب 1977 مع أنه صوت ضدنا في هذا المؤتمر لأمر ما زلت حتى الآن أجهله.

س: كانت لكم مطالب تتمثل فى ترسيم اللغة العربية، دخول الجامعة العربية، تحرير الأرقاء، تأميم شركة ميفرما؛ ما ذا تم بشأن هذه المطالب؟

ج: هذه المطالب تمت تلبيتها بدرجات متفاوتة: تأميم شركة ميفرما سنة 1973 ودخول الجامعة العربية 1974، وهذان المطلبان تما بشكل كامل، أما ترسيم العربية، وتحرير الأرقاء فكانت الاستجابة لهما بشكل جزئي، ولكن تلك المطالب توسعت لتشمل العدالة الاجتماعية، والاقتصاد، والسياسة، والمسائل المستجدة.

س: اسمح لنا بالعودة إلى الوراء قليلا، لتتحدث لنا عن تاريخ دخولكم المعهد في بوتلميت، وعن الإضرابات التي قمتم بها سنة 1966 مما أدى إلى ترحيل كل منكم إلى مسقط رأسه، كيف تم ذلك؟ ومن تتذكرون في تلك المناسبة من الزملاء الناصريين؟

ج: كان دخولي للمعهد سنة 1963 مع مجموعة أكثريتها من أشباه المؤلفة قلوبهم قادمين من شتى بقاع العالم: بالإضافة إلى الموريتانيين: سينغاليون، ماليون، اتشاديون…كانت دفعة واحدة قد سبقتنا إلى المعهد، لا يوجد وعي سياسي، ولا مطالب أكثر من تحويل المعهد من أبي تلميت إلى نواكشوط، أو تمنيات بترسيم اللغة العربية، وبدخول موريتانيا الجامعة العربية، كانت تدرسنا مجموعة من كبار العلماء القوميين العرب الأساتذة من أمثال: محمد عل بن عدود، محمد بن أبي مدين، هارون بن الشيخ سيديا، محمد يحيى بن عدود، اسحاق بن الشيخ سيديا، محمد بن باب بن الشيخ سيديا، أحمد بن المختار بن داداه، أحمد بن، مولد بن داداه، محمد محمود بن ياتي وغيرهم ممن لم أتذكر أسماء هم، كانت هذه المجموعة توفر لنا جوا من الطمأنينة والانتماء القومي العربي لا حدود له؛

في هذه الفترة تسرب الكثير من التلاميذ عندما استفادوا من بعثات تعليمية في الخارج، و

كان من أكثر تلامذة المعهد اهتماما بالسياسة في ذلك الوقت هو محمد فاضل بن الداه، الذي أتيح لي معه متابعة مؤتمر طلاب موريتانيا في الخارج 1965 ذلك المؤتمر الذي قاطعه الطلبة الزنوج، وألاحظ أن المؤتمرين الذين كلهم من العرب لم يتأسفوا على تخلف الأفارقة، ولم يرتبوا عليهم أمرا، أتذكر من أسماء الطلبة المؤتمرين: اسماعيل بن اعمر هو الرئيس، احمد بن داداه، محمذن بن باباه، أحمد ولد اغناه اللَّ، المرحوم سيدي بن الشيخ عبد الله ذكروا أنه تخلف لزيارة أشياخه في كولخ، وآخرين لم أتذكر أسماؤهم؛

استجابة لما تم تعريفه في ذلك الوقت بمنشور” البظان” تحت عنوان “صوت الشعب” 2/2/1966 وما تبعه من عنف في أيام: 8,9,10 من فبراير 1966 نفذ معهد أبي تلميت إضرابه، بعد أن وصلنا الخبر من ثانوية روصو عبر رسول من طلابها حيث اتصل بي أنا وطالبا آخر لا أتذكر أسمه، بقي الأمر سرا حتى كان بعد انتصاف الليل عندما ذهبنا إلى بيت المرضى وأخرجنا منه مريضا كان فيه، قمنا بإغلاق البيت علينا وكتبنا أمرا بالإضراب غدا وعلقنا نسخا منه على أبواب السكن وعلى أبواب المطعم، فقرأه التلاميذ و امتثلوه جميعا إلا مجموعة الطلاب الزنوج وكان عددهم حوالي 30 طالباا، توجهوا صباحا إلى المدرسة ولكن مدير المدرسة رفض فتح الفصول أمامهم بحجة أن أعدادهم في الفصول لا تبرر فتحها لهم. وبقينا فى المدرسة يحيط بنا الحرس، ونتيجة لانعدام وسائل التواصل كان علينا أن نبحث عن الخبر لدى المسافرين، القادمين من نواكشوط فذهبت ضحى أنا وأحد التلاميذ إلى المدينة وكان من أبنائها يدعا محمد بن محمد الحسن نتحسس الأخبار وما إن حان وقت الظهر حتى بدأت الإذاعات الأجنبية تتحدث عن معارك عنيفة فى نواكشوط مهولة ما حدث قائلة إن هناك اشتباكات عنيفة استخدمت فيه الطائرات العمودية، وهناك جثث منتشرة في الشوارع. تبين فيما بعد أنها مبالغ فيها كثيرا، وذلك غير مستبعد لأن هذه الأنباء كان مصدرها هو فرنسا والسينغال اللتان كانتا من وراء الأحداث، ونتيجة لهذه الأنباء قرر التلامذة العرب فى المعهد الانتقام من زملائهم الأفارقة، فكنت أحول بينهم محاولا إقناعهم بأنها مشكلة لغوية وأن هؤلاء التلاميذ لا شأن لهم برفض العربية لأنهم يدرسونها معنا، وأن المشكلة ليست عنصرية ولا نريدها أن تكون كذلك، وعندما اشتد الضغط علي من طرف بعض التلاميذ أرسلت أحد المراقبين يدعا الإمام بن بيها، أرسلته إلى المدير وهو سيدي محمد الديين أستنجد به فى الموضوع، وبعد قليل جاء الدرك وسحبوا التلاميذ الأفارقة لتأمينهم، فتداعى بعض التلاميذ للانتقام مني شخصيا متذرعين بأنني فوت عليهم فرصة الانتقام من الطلبة الأفارقة، فتمكنت من الخروج متخفيا يساعدني الليل متجها إلى الناحية الشمالية عكس اتجاه المدينة للإمعان في الاختفاء، فعمدت إلى أسرة كريمة بقيت عندها من أول الليل حتى بعد صلاة الظهر من يوم غد. وعندما علمت بقدوم السيارات لنقل التلاميذ إلى نواكشوط التحقت بالمعهد فذهبت بنا وحطتنا صباح اليوم الموالي عند وزارة التعليم فأرسلتنا إلى مدرسة خيار تحت حراسة مشددة، بقينا فيها من الصباح حتى بعد صلاة العصر حينها جاءنا المرحوم محمد بن سيد عالي مدير ديوان وزير التعليم آنذاك وبصحبته مجموعة من الجنود وبيده ورقة تصنف التلاميذ، وكان يعرف التلاميذ جيدا، لأنه كان مديرا للمعهد فى السنة الماضية، وكان يعد لترحيل بعض التلاميذ إلى الإقامة الجبرية خارج نواكشوط وعندما استدعاني أنا الأول وأخبرني بالذهاب إلى انواذيب، وأنه علي أن أبقى فيه حتى إشعار جديد، قلت له أنا أهلي في نواكشوط وليس لي أهل في انواذيب وأريد أن أبقى هنا، فقال لي لا، أنت ستخرج من نواكشوط الآن نحو انواذيب أو نحو انبيكه، فقلت له أريد زيارة أهلي لأطمئنهم على حياتي، فقال لي لا، الطائرة تنتظركم في المطار، رافقونا حتى أغلقت علينا نوافذ الطائرة، وأوصونا بعدم ذكر أي شيء عن نواكشوط، كانت الطائرة من نوع (د.س.3) ركابها 5 أربعة من أهل المعهد: أحمد بن الطلبه، محمد يحيى بن محمد موسى، أحمد بن الرفاعي، بالإضافة إلي أنا، وخامس الجماعة من ثانوية روصو؛

وبخصوص الشطر الثانى من سؤالكم فلا أتذكر فى تلك الفترة من الناصريين الذين بقوا على ناصريتهم حتى الآن سوى أحمد بن الطلبه والنعمه بن سيدي محمد.

س: ذكرتم أنكم في البداية لم تكونوا منظمين في إطار موحد، فما ذا قمتم به كأفراد وهل كان العمل الفردي مجديا؟

ج: فعلا في هذه الفترة لم يك لدينا نظام موحد ناصري مركزي يصدر الأوامر وتنفذ على المستوى الوطني، قبل 1977 ولكن لدينا تنظيمات جهوية ومحلية فعالة تقوم أساسا على تلامذة المدارس والمدرسين، ففي هذه الفترة كبر تلامذة المدارس وتعددت الثانويات، إضافة إلى مدرسة المعلمين التى أنشئت1965 فى نواكشوط بجوار الثانوية الوطنية وذلك ما سهل التواصل بينهما، كما عاد من الدراسة في الخارج مجموعة من المدرسين كان نصيب الناصريين منها كبيرا من بينهم بعض القياديين مثل: سيد محمد بن العيل ومحمد فال بن محمد ءاب، وغيرهما توزعوا في أنحاء الوطن مشكلين وقودا لتلك المادة التي كانت موجودة قبلهم، يعملون في أنظمة محلية شبه مغلقة حفاظا على الأمن، ولكن وجود المدرسين أمَّنَ لهم قدرا من التواصل بموجب اللقاءات التي يشاركون فيها: المهام الإدارية، المؤتمرات النقابية وغيرها من المهام الآمنة، في هذه الظروف كان على كل إنسان أن يقوم بعمله فى جماعة أو منفردا؛ كذلك توالى قدوم الأطر الناصرية من الخارج مثل: أحمد بن الطلبة، وســيًدي بن محمد عبد الله وغيرهما، غير أن الساحة لم تعمر كليا من الأطر الناصرية إلا في أواخر السبعينيات، أتذكر أننا 1976 أثناء تشكيل اللجنة الوطنية لمؤتمر الشباب بحزب الشعب، التي تستمر أعمالها سنة، لم نجد لها من أطر الناصريين المتواجدين في نواكشوط المُقنعين للهيئة المُنظمة للجنة غير أربعة هم: أحمدَ بن مد الله، أحمد بن الطلبه، سيًدي بن محمد عبد الله، ومحمدن بن التمين، كان هذا هو نصيب الناصريين من تلك اللجنة، رغم سماح لجنة التأسيس بزيادة العدد.

لا شك أن العمل الفردي كان مجديا وآمنا بحيث أن اكتشاف صاحبه لا يقود إلى اكتشاف غيره، وأنه لا ينتظر صاحبه بعمله الأوامر أو الموافقة من جهة أخرى، ولا شك أن هذا الانتشار المذهل للتيار الناصري قبل أن يكون له تنظيم مركزي كان فضله عائدا للعمل الفردي، والذي كانت تمثله أساسا مهمة المدرس، ذلك الفرد الذي كان يمثل نظاما متكاملا: يقرر، ويوجه، وينسق، ويكتسب الجمهور من تلامذته، ومن مدرسته، ومن الأهالي بوصفه قدوة فى الحي، مع أن العمل الفردي لم يك في وقت من الأوقات حائلا دون الاستجابة للشأن العام على المستوى الوطني، ويبدو ذلك جليا من خلال التمثيل في المناسبات النقابية، وفي مؤتمر الشباب 1977 الذي تم فيه تمثيلنا من الداخل والخارج وحصلنا فيه على الأغلبية رغما عن الدولة وتحالفاتها، والشاهد على ذلك هو إسقاطنا لمكتب رئاسة المؤتمر وتنصيبنا لمكتب آخر مكانه، وكان من المفروض أن نفوز في اختيار مكتب الشباب لو قبل النظام مشاركتنا في إحصاء الأصوات كما تم في مناسبة تنصيب مكتب رئاسة المؤتمر، وعلى كل حال تم تمثيل الناصريين فى المكتب الجديد بإطارين هما: المرحوم الرشيد بن صالح، وأحمد بن الطلبة، الذي استقال من المكتب احتجاجا على تزوير التصويت والعد، الذى تم على أساسه تنصيب مكتب الشباب، وعلى ذلك الأساس ظل الناصريون يعارضون ذلك المكتب ويمنعونه بالفوضى من اتخاذ أي قرار، حتى أنه في ليلة الانقلاب 78 كان فيه مهرجان للشباب يترأسه وزير التوجيه الإسلامي آنذاك عبد الله بن بيه، وعند ما منعهم الناصريون من التقدم في العمل استدعى الوزير الشرطة فسجنت مجموعة منهم ليتم إطلاق سراحهم غدا (يوم الانقلاب) من مفوضية الشرطة بأمر من الانقلابيين.

يتواصل بحول الله

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى