عام المواجهة/ حنفي ولد دهاه

 

البلدان تقاد كما تساق عربات ذوات عجلات أربع، إطاراتها متساوية في سماكتها وقوتها و فيما ينفخ فيها من هواء.. و عجلات هذه العربة السيارة هي الحرية و التنمية و العدالة الاجتماعية و محاسبة الخطّائين.. أما الدواهي فأمُّها أن تساس البلاد كما يقود الرّبان سفينته، يمخر بها عباب البحر، و مبلغ طموحه أن ينجو بألواحها و دُسرها من تلاطم الأمواج و تدافع التيارات.

لا يخفى أن الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني إنما ساس البلاد، خلال السنة المنصرمة، على طريقة الرّبان في تفادي الأمواج و الأعاصير، راضياً من نتائج تسييره بالسلامة من ألغام الرئيس السابق و أحابيل مكره.

مرّ عامٌ على انصرام حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز (على آثار حقبته العفاء) وتولى الحكم بعده الرئيس محمد ولد الغزواني، الذي هو عكس سلفه في سماته الشخصية، فلا يرين على أخلاقه دَرَنٌ و لا يدنّسها طخى.. غير أن للحكم طرقه و أساليبه التي تجمع بين الرفق و العنف و اللين و الشدة، و بين الأناة و الاستعجال، فلكل مقام من هذه ما يناسبها.

لقد حال حولٌ لا صوت فيه علا على صوت المعركة مع ولد عبد العزيز، رغم أن شهراً واحداً كان زعيماً بحسمها لو لم يقتحم غزواني وطيسها بأعصاب من جليد..

الذبح بشفرة كَهامٍ يؤذي الضحية و أعدائها مستعجلي نهايتها، أما من يحدّ الشفرة فسيريح ذبيحته و المستفيدين من موتها معاً، و سيوفر لنفسه وقتاً ينفقه في مهام أخرى. فلماذا إذن كل هذا التثاؤب في الإجهاز على فيروس سيظل ينخر أمن البلاد و عافيتها ما نبض له عرق..

إن كل موريتاني سيستفيد بما لا حدّ له من وضع نهايةٍ لتهديد ولد عبد العزيز .

لقد كانت الدولة ضحيةً لاستراتيجية ولد الغزواني في مواجهة ولد عبد العزيز، فقد أملت خطة محاصرته، والاستفراد به، و جزِّ العشب من تحت أقدامه، ضرورة الإبقاء على رموز نظامه في الإدارة، حيث لا يزالون يواصلون فسادهم (ولد اجاي و ولد عبد الفتاح مثالاً لا حصراً)، و هو ما كان سبباً في إبعاد ذوي الكفاءة و الأهلية من التعيين.

رغم مرور عام على قيادة ولد الغزواني فإن سيارة الحكم الجديد لا تزال على نقطتها الميتة le point mort، فلا هي تقدمت على لاحب التنمية قيدَ غلوة، و لاهي أراحت محركها وإنما ظلت تحرق مائها و زيتها.

يمكن التذرع بظروف الكورونا، و بالجراب الذي تركه ولد عبد العزيز فارغاً، و بعسر البداية و تعثرها، غير أنه لا يمكن أيضا تجاهل عوامل أخرى، كان يمكن تفاديها، لولا أنها من إكراهات استراتيجية “المواجهة”، التي اختطها ولد الغزواني لتلاءم مزاجاً كالصقيع.

يمكن اعتباره عاماً جيداً لأننا حصلنا فيه على رئيس يتحلى بأخلاق و كرامة و طموح لأن يشنف التاريخ بحديثه عنه سمعَ المستقبل، غير أنه يكاد يكون خِلْوا من الانجازات، فأعضاء الحكومة الذين سادوا و حكمت دولتهم سيعجزون اليوم، طبعاً، عن تحقيق ما لم يمكنوا أمس من تحقيقه، و هل تستطيع الخرقاء أن ترأبَ ما أثأته كف الصَّنَاع؟!

لا جديد في إصلاح التعليم.. و قد فشلنا في مواجهة “كورونا”، حيث أن جعجعة وزارة الصحة تربو على طحينها.. و قد تم إقصاء إخوتنا من الزنوج و لحراطين من التعيينات، و تراجعت حرية التعبير، و هيمن العنف الفكري و الوصاية على العقول، فطفق البوليس السياسي في مطاردة و سجن المخالفين لرأي يمين البيظان الذي يحكم البلاد.. و لا يزال الإعلام الرسمي يمجّد الحاكم، و يلقي عليه رداء العصمة، و يضفي عليه حلة القداسة، و الصحافة المستقلة مومساً ترتمي في أحضان زناة السياسة.

و لكن الأمر الجيد جداً في هذا العام هو لجنة التحقيق البرلمانية و استقلاليتها و تقاريرها الجادة.

الخلاصة أننا نهنيء أنفسنا على ما تقدم في هذا العام، و نلتمس للرئيس العذر فيما تأخر، فأول الغيث قَطرٌ ثم ينهمر.

وفق الله حكامنا لما فيه سداد البلاد.!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى