قراءة في آثار سنة من الجائحة على النمو الاقتصادي في موريتانيا/ د. مولاي ولد أب ولد أﯕيݣ

 

لم يشهد العالم من قبل في التاريخ الحديث، أزمة أسوا من الأزمة الحالية الناتجة عن تفشي وباء كوفيد 19. ومع أن النطاق الكامل لتأثيرات الجائحة لن يتضح إلا في السنوات القادمة، إلا السنة الأولى أظهرت آثارا سلبية عديدة وعميقة شملت مختلف الصعد وطالت كافة المجالات. ولم تكن هذه الأزمة مجرد أزمة صحة عالمية، بل أزمة لسوق العمل، وشلل في حركة التجارة الدولية، و أزمة في الاستثمار والتصنيع وأنشطة الاستهلاك.

في هذا الإطار، جاء في التقرير الصادر عن منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة أن 225 مليون وظيفة دائمة تم إلغاؤها، وخلصت دراسات وأبحاث اقتصادية أخرى إلى أن جائحة فيروس كورونا وما رافقها من إجراءات إغلاق قاسية، كلفت الإقتصاد العالمي نحو 3.8 تريليون دولار، و أن مستوى الاستهلاك العالمي انخفض بنسبة 4.2%. كما أظهرت دراسة أعدتها “الأمم المتحدة” بشأن التكلفة المالية والبشرية للوباء، أن مستويات الفقر في العالم سترتفع، وأن أعداد الفقراء سيزادون بحدود نصف المليار.

جاء، أيضا، في أحد تقارير صندوق النقد الدولي أن “الجرح” الإقتصادي، جراء انتشار وباء كوفيد 19 والذي يشمل خسائر طويلة الأجل للنمو والدخل والتوظيف، سيكون على الأرجح أكثر عمقا وأطول أجلا من ذلك الذي تبع الأزمة المالية العالمية في عامي 2008 و2009. وهكذا أفضت القيود والإجراءات التي قيم بها لكبح انتشار الفيروس إلى انكماش الإقتصاد العالمي بنحو (3.3٪) سنة 2020. وأشارت تقارير الصندوق إلى أن انكماش اقتصادات الدول المتقدمة كان في حدود (4.9٪)، بينما لم تتجاوز نفس النسبة (2.4٪) بالنسبة لاقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية.

عرفت موريتانيا، كغيرها من دول العالم، وضعا إقتصاديا صعبا نتيجة للقيود والإجراءات الاحترازية التي قامت بها السلطات بهدف الحد من تفشي الوباء، وكذلك لتأثر سلاسل الإمداد العالمية، وشل حركة التجارة الدولية. وقد انعكس هذا الوضع السيء على معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي سنة 2020. ففي الوقت الذي كانت التقديرات تشير إلى نمو موجب (+5.7%)، أظهرت بيانات الوكالة الوطنية للإحصاء والتحليل الديموغرافي والإقتصادي انكماش الإقتصاد الوطني وتسجيل معدل نمو سالب (-1.76%) خلال السنة الأولى من الجائحة (سنة 2020).

الشكل 1: مساهمة قطاعات النشاط في نمو الناتج المحلي الإجمالي

عند تفكيك هذا الرقم حسب القطاعات الإنتاجية، يتضح أن القطاعين الأولي والثالث كانا الأكثر تأثرا بفعل الإجراءات والتدابير المتخذة والأبلغ أثرا في تدهور معدل النمو. أما القطاع الثاني فقد مثل الرافعة التي أنقذت الاقتصاد الوطني على الرغم من تراجع نتائجه مقارنة بسنة 2019.

لقد عرف القطاع الأولي انخفاضًا في معدل نموه بلغ (-3.7٪) سنة 2020، بعد أن حقق نموا قُدر ب (+9.4٪) سنة 2019. وبلغت مساهمته في نمو الناتج المحلي الإجمالي (-0.79 ٪) سنة 2020. ويرجع هذا الانخفاض في القطاع الأولي إلى النتائج السلبية المحققة على مستوى كل من الزراعة والصيد البحري.

شهد المحصول الزراعي خسارة حملتين زراعيتين متتاليتين. ففي الحملة الصيفية الماضية تعرض محصول أكثر من 11560 هكتار للتلف، نتيجةً لعدم توفر العدد الكافي من الحاصدات الزراعية، وتشير بعض التقديرات إلى أن حجم الخسائر زاد على 56.000 طن من الأرز الخام. كما واجه محصول الحملة الخريفية الأخيرة نفس المصير هو الآخر، فقد تعرض أغلبه للضياع بسبب الآفات الزراعية (الديدان والفئران)، التي التهمت آلاف الهكتارات بمنطقة يصل طولها 80 كلم. وكانت هذه النتائج كفيلة بجعل الإنتاج الزراعي لسنة 2020 يتراجع بنسبة (-13%).

أما الصيد البحري فقد خسر ما يقارب 22 نقطة مقارنة بسنة 2019. وكانت مساهمته سلبية في نمو الناتج المحلي الإجمالي (-0.5 نقطة مئوية). وكان التراجع على مستوى الصيد الصناعي أكبر منه على مستوى الصيد التقليدي، حيث انخفض الأول بنسبة (-9.7%) والثاني ب (-2.8%). في الوقت الذي كانت فيه نسبة نموهما +11.0% و +25.3% على التوالي سنة 2019.

وعكس قطاعي الزراعة والصيد البحري، فقد حافظ قطاع التنمية الحيوانية على نسبة نمو موجبة في حدود 3% وهو ما خفف من وطأة تقلص معدلات نمو المركبتين الأخريتين.

الشكل 2: تطور النمو في القطاع الأولي ومساهمة الأنشطة المختلفة

القطاع الثانوي كان الوحيد من بين القطاعات الذي صمد أمام ارتدادات موجة الوباء وحقق في مجمله معدل نمو موجب (+2.6%) سنة 2020، وبلغت مساهمته في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ب +0.7 نقطة مئوية.

ويعزى الأداء الجيد للقطاع الثانوي للنتائج التي حققتها الأنشطة الاستخراجية (+ 2.4٪) وأنشطة التصنيع (6.1٪).

رغم تباين تأثير الوباء، إلا أن خسائر الناتج كانت كبيرة للغاية في البلدان التي تعتمد على السياحة وتصدير السلع الأولية وإن كان هذا هو ما حصل مع صادراتنا من الأسماك، إلا أن خامات الحديد شكلت استثناءً وحققت نموا قدرت نسبته ب (+2.6%) وساهمت ب (+0.18) نقطة مئوية في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. كما ارتفعت أنشطة تعدين الذهب والنحاس بنسبة (+1.9٪) بمساهمة قدرها 0.07 نقطة مئوية في نمو الناتج المحلي الإجمالي.

أما أنشطة التصنيع فقد نمت بنسبة 6.1٪ وساهمت بنسبة (+0.5) نقطة مئوية في نمو الناتج المحلي الإجمالي.

بالنسبة للبناء والأشغال العمومية، فقد شهد تراجعا في أدائه قدر ب (-2.7٪)، وكانت مساهمته سلبية في نمو الناتج المحلي الإجمالي (-0.13) نقطة مئوية. ويُعزى هذا الانخفاض الملحوظ إلى تأثر أشغال الهندسة المدنية التي شهدت هبوطا في قيمتها المضافة بلغ (-32.8٪) بسبب القيود والاجراءات المرتبطة بالوباء.

الشكل 3: تطور نمو القطاع الثانوي ومساهمة الأنشطة المختلفة

تميز القطاع الثالث سنة 2020 بالانخفاض العام في معظم أنشطة الخدمات وذلك لتأثرها المباشر بإجراءات الإغلاق التي قامت بها الحكومة بهدف الحد من انتشار الوباء. وكانت الأنشطة الأكثر تضررا هي المطاعم والإقامة (-20.9٪)، النقل (-14.6٪)، التعليم (-5.1٪) والتجارة (-1.5٪).

الشكل 4: تطور نمو القطاع الثالث ومساهمة الأنشطة المختلفة

صافي الضرائب على المنتجات هو الآخر شهد انخفاضًا حادًا قدر ب (-10.1٪)، ويرجع ذلك أساسًا إلى الانخفاض العام في الضرائب على السلع والخدمات وبالذات الضرائب والرسوم الجمركية على القمح والزيوت والحليب المجففة والخضروات والفواكه التي تحملها الدولة طيلة الأشهر التسعة المتبقية من سنة 2020.

وبالرغم من أن انكماش النشاط الاقتصادي في السنة الأولى من الوباء كان كبيرا، إلا أن الأوضاع كان يمكن أن تكون أسوأ بكثير لولا الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ضمن ʺالخطة الوطنية متعددة القطاعات للتصدي لجائحة كوفيد-19ʺ.

وفي ظل المخاوف من استمرار حالة الركود الاقتصادي ولو بدرجة أخف، فإن العمل يجب أن يركز في المدى القريب على

مفاتيح فاعلة لمحركات النمو ومغاليق محكمة لمعوقاته.

المصادر:

1. نشرة حول الحسابات الوطنية، الوكالة الوطنية للإحصاء والتحليل .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى