سنتان .. أسئلة تنتظر الإجابة !


تابعتُ خلال الأيام الماضية حملة إعلامية كثيفة حول مرور سنتين على حكم الرئيس غزواني للبلد، وهي حملة، باستثناء حالات نادرة جدا ومعزولة، لم تخرج عن نطاق الإنشائيات الجامدة بل المائعة والتي يمكن نشرها كل فترة ومع كل رئيس، بل وتم نشر كثير منها خلال العقود الثلاثة الأخيرة وبطريقة ممجوجة متكلفة، ومن وجوه وأقلام أغلبها دافع عن كل الأنظمة بنفس الأسلوب وتخلى عنها بنفس الطريقة غالبا.

ومع أن الجزء الأهم من هذه الحملة جاء من أعلى مستويات السلطة حيث تسابق الوزراء والمستشارون في نشر المقالات الممجدة للسنتين، وربما تعتبر هذه سابقة ذات دلالة تحيل إلى عدم اقتناع النظام بما يقوم به سياسيوه وإعلاميوه وكتابه ومدونوه من خدمات إعلامية، فاستدعى الأمر تدخل الوزراء، بعد مقابلات ثلاث للرئيس نفسه، فإنني شخصيا وبحكم تطفلي على الإعلام تخصصا وممارسة ومتابعة لا أظن هذه الحملة الكثيفة استطاعت إقناع المواطن _ ولو إرغاما _ على الإعتراف بواقع لم يقع، ولا حسنت ظروف الحياة، ولا صورة النظام في الرأي العام، بل ربما جاءت بنتيجة عكسية حيث أثبتت أن صورة النظام المهتزة تحتاج تدخلا بحجم الرئيس وأهم الوزراء وقادة حزب الحاكم في ظرف طبيعي لا انتخابي ولا “أزماتي” حسب ما ينظر له قادة النظام، وهذا أمر ملفت!
إنشائيات مائعة
لفت انتباهي خلال رصدي ومتابعتي لخطاب الولاء أن هذا الخطاب لم يتغير، رغم أن الفرصة كانت مواتية، فوسائل الإعلام الرسمية تلوك عبارات من قبيل “دولة قوية وعصرية في خدمة المواطن” و”إدارة فعالة في خدمة المواطن” وتعتبر هذا وغيره من أهم الانجازات خلال العامين المنصرمين. والصف الأول والثاني من الحكومة ينشر جُملا من قبيل:
“و فجرت الأرض في حوض النهر مياها ومزارع، و ناغت بيها الحيتان في أعماق البحر، و برقت لها كنوز الأرض في أحشاء المحيط وفي تلال انشيري”، و”ضمان النفاذ للعيش الكريم وبقدرة شرائية تضمن تغطية الحاجات” و”إنشاء أقطاب لتطوير التنمية الحيوانية وتحديث استغلالها”، و”احتواء وباء كوفيد19″. أما الكلام العمومي عن الأمن خاصة في المدن فإن المواطن أدرى بالإجابة من خلال هلعه وما يحدث من اغتصاب وقتل، كما أن الإشادة بواقع الإعلام خاصة يكفيها تتبع تنوع الرأي في وسائل الإعلام الرسمية الممولة من مال الشعب، وكذلك واقع موظفي وسائل الإعلام الرسمية سواء كانوا رسميين أو متعاونين، هذا علاوة على فوضى الإعلام الحر وضعف تنظيمه وأدائه.
ومن أغرب هذه الميوعة الحديث عن أن “الآفاق التي يوفرها الهيدروجين الأخضر لم يتم تثمينها بالكامل من قبل الرأي الوطني”.
إن الرأي العام الوطني يحسد الحكومة .. ويبخس الإنجازات والعياذ بالله !
المواطن يسأل
مهما كثف النظام من حملاته الإعلامية التضليلية، ومهما ضغطت رموزه لتركيع الرأي العام وإقناعه بواقع غير واقعه، فإن المواطن سيبقى يطرح أسئلته المصيرية السهلة والقريبة، في انتظار أجوبة صادقة ودقيقة عليها:
في التعليم، وهو الركيزة الأهم ومفتاح كل تغيير، هل ازدادت ثقة المواطن في التعليم الرسمي؟ هل يستطيع أي من الوزراء أو كبار المسؤولين أو الجنرالات أن يدرس أبناءه في المدارس الرسمية؟ أين المدرسة الجمهورية التي تعهدوا بها، خاصة جزئية تعميم التعليم الرسمي على السنة الأولى ابتدائية خلال العام المنصرم كبداية؟ ماذا عن الاكتظاظ ونقص البنية التحتية الحاد؟ وأين تطوير المناهج وتوفير الكتاب المدرسي؟ بل أين توفير الطباشير والسبورات للمعلمين؟ ولعل السؤال الأبرز هو واقع الكادر البشري فما هو حظ المعلم والأستاذ من الزيادات والترقيات رغم زيادة الميزانية العامة بحوالي 100 مليار أوقية؟! وأين وصل حل مشكل العقدويين، والنقص الحاد في الطواقم التربوية وفي التكوينات؟
في الصحة، هل تم حل مشكل تزوير وتهريب الأدوية؟ من عوقب ممن يمارس تلك الجرائم؟ هل توفرت الأدوية خاصة الأمراض المزمنة؟ ماذا عن التكوين المستمر، والتقدمات المتوقفة، وآليات التحويل والترقية؟ وابروتوكولات النقابات 2011 و 2019؟ ما طبيعة صفقات توريد الأجهزة؟ ما هو حجم توفر الأخصائيين والفحوص باسكانير والانعاش خاصة في مستشفيات الداخل؟ ماذا عن ترسيم الممرضين الأحرار؟ وماذا عن تحسين ظروف الكادر البشري عموما بالقطاع؟ اين حقوق طواقم محاربة كورونا؟ أما تسيير الصندوق وسياسة القطاع بخصوص الوباء فتكفي شهادات المصابين وذويهم عن التساؤل!
في حماية المستهلك، والتشغيل، ومحاربة البطالة، هل استطاع النظام ضبط السوق خاصة المواد الغذائية والأدوية فيما يتعلق بالتواريخ والتزوير؟ هل هنالك سياسة حقيقية لكبح جماح الارتفاع الصاروخي للأسعار؟ هل توقفت المخالفات القانونية في التعيينات في أهم القطاعات وفي المسابقات؟ هل هنالك سياسة شفافة في التشغيل أم أن المتاح منه على قلته يدار بزبونية بين النافذين؟
في الثروات المعدنية والحيوانية والزراعية والبحرية، هي تمت مراجعة أي اتفاقية مراجعة مفيدة؟ ألم يعبر النظام عن أسفه بخصوص تازيازت ومكنها من المزيد؟ هل وضعت معايير جيدة لمنح الرخص في المستقبل؟ ماذا عن مخالفات الشركات بخصوص مرتنة الوظائف؟ ما الذي قدم للمنقبين التقليدين من خدمات غير الجباية؟ ألم يقضوا تحت الأنقاض دون تدخل مفيد، وفي الصحاري دون بحث جدي ناجع؟ ما الذي تم تقديمه للثروة الحيوانية غير مهرجان صوري في الحوض الشرقي؟ هل تم تطوير أو فتح أي مصنع جديد للألبان؟ هل تم توفير العلف واللقاح والأدوية بشكل شامل وبأسعار مناسبة؟ ماذا حل من مشاكل المزارعين خاصة مشكل الحاصدات والبذور ومحاربة الآفات ومطالب القرض والتأمين الزراعيين؟ ما الذي استصلح فعلا من الأرض خلال السنتين المنصرمتين؟ ما الذي جد في الصيد البحري؟ هل تحسنت الرقابة على السفن الأجنبية؟ هل روجعت الاتفاقيات بشكل إيجابي؟ ماذا عن حقوق العمال الموريتانيين ومرتنة الوظائف؟ ما حظ الصيد التقليدي، وهل هنالك سياسة لتوفر وتوفير السمك للمواطن المستهلك ولمعيلات الأسر؟
في محاربة الفساد، هل يوجد أي سجين اليوم بسبب داء الفساد الذي عم وخص؟ ألم يتم التلاعب بأهم ملف تم التحقيق فيه برلمانيا وتم اختزاله في أشخاص يعدون على أصابع اليد بل تم تحويله إلى صراع سياسي شابته زبونية وازدواجية بدل معركة شاملة ضد الفساد؟! لماذا تمت مخالفة القانون في عدم نشر تقرير محكمة الحسابات؟ وفي تعيينات وتحويلات رؤساء لجان الصفقات؟ وتم رفع سقف صفقات التراضي إلى أضعاف في قطاعات مهمة؟ وتم استثناء قطاعات مهمة من لجان الصفقات المكتتبة مؤخرا؟! ألم يتم تدوير أشخاص لهم سوابق في سوء التسيير على الأقل، وآخرين شملهم التحقيق ولم يُنتظر حكم القضاء في ذلك؟
في الطرق والبنية التحتية، ما هو واقع أهم الطرق وأطولها في البلد (طريق الأمل)؟ أين الصيانة والرقابة على المحاور (نواذيبو _ نواكشوط)، (أطار _ نواكشوط)، (أطار _ تجكجة)، (تكند _ كرمسين)، (روصو _ بوكي)، (بوكى _ كيهيدي)، (النعمة _ آمرج) وكلها طرق ومحاور تحتاج الصيانة وإزاحة الرمال والترميم وخاصة أيام الخريف. ثم أين الرقابة على النقل وزيادات الحمولة والسرعة ووضعية السيارات ومنح الرخص رقابة شفافة وصارمة لا رقابة تحصيل خاص لبعض عناصر الأمن على قارعة الطريق؟ ما هو واقع التأمين وشركات التأمين، هل يوفر التأمين أي تعويض مجز في أي حادث؟ هل تهتم السلطات فعلا بحياة المواطنين وممتلكاتهم من هذه الزاوية؟
_ في السياسة والشراكة و”الإجماع” الوطني، أين الحوار مع الشركاء الذين رحبوا وتفهموا وهادنوا وأثنوا وأشادوا؟ هل تمت استشارة المعارضة في أي ملف جدي استشارة جدية وترتب على ذلك مخرجات مهمة؟ هل يتم احترام القانون بخصوص اللقاءات المنصوصة مع زعامة المعارضة؟ كم تم من تعيينات المعارضين في الوظائف غير السياسية؟ ألم تتم إقالات لموالين وتكنوقراط ومعارضين بسبب آرائهم؟ ما الذي تم تقديمه للمعارضة والمعارضين مقابل الهدنة والانسجام غير اللقاءات البروتوكولية؟ بل غير المماطلة في ترخيص الأحزاب والجمعيات دون أي مبرر؟ ألم يتم تأخير الكثير من المراسيم الطبقة لبعض القوانين المصادق عليها برلمانيا مما يهدر حقوق المواطن؟ ألم تشهد هتان السنتان الكثير من القمع للطلاب وأهل البيئة والعقدويين وساكنة تيفريت وغيرهم؟ ومنع المعارضون أحزابا وشخصيات من ترخيص انشطة سياسية، وتم سجن وملاحقة الكثير من المدونين؟
هذه مجرد نماذج من تساؤلات المواطنين فيما له علاقة بحياتهم وبنمو بلدهم، والإجابة على هذه التساؤلات تكون بالعمل لا بفيضانات المقالات الوزارية والسلطوية في سباق حجز وإعادة حجز المقاعد الحكومية. ولقد بقي الكثير من القطاعات والمجالات لاحصر له، يمكن قياسه على ما سلف.
قد يقول قائل: لكن أين ما تم إنجازه؟ ولماذا لا يتم التطرق ولو لبعضه، وهنا يكون الرد: إن السعي إلى التوازن والواقعية والوقوف ضد تزييف الواقع وتضليل الراي العام يقتضي إظهار النواقص والمثالب بدل مسايرة هذه الموجة الهدامة، وإن النظر إلى نصف الكاس الفارغة من أجل ملء الكأس أفضل من التركيز على نصفها المملوء لشربه أو سكبه.
محمد الأمين سيدي مولود

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى