الرئيس غزواني ومنقصات الشرعية الدستورية د/ محمدو محمد المختار أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة نواكشوط ومحام لدى المحاكم

لا جدال في أن مسع التعديلات الدستورية بهدف الحصول على مأمورية ثالثة للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وما صاحبه وقتها من تظاهرات جهوية وقبلية ومناطقية مؤيدة ومن مساعي حثيثة نحو تمرير تلك التعديلات عبر الجمعية الوطنية ( البرلمان الجديد) ، مثلت أي هذه المساعي مجتمعة اكبر تهديد للشرعية الدستورية وللاستقرار السياسي في البلاد، ولولا أن مياها كثيرة جرت أنداك تحت الجسر، فأفضت إلى البيان الشهير الذي لم يستطع الرئيس السابق استثماره إعلاميا، لكانت البلاد الآن في وضعية دستورية وسياسية مأزومة بالكامل .
ومع أن تاريخ انتقال الحكم من حاكم لآخر في هذه البلاد ظل يتسم بخاصية الانقلابات إذا استثنينا مرحلة اللحظة الديمقراطية في الانتقال السلمي للسلطة بين الرئيسين الراحلين اعل ولد محمد فال وسيدي ولد الشيخ عبد الله، فإن وصول الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني شكل استثناء من هذه السمة الخاصة ، كما شكل منعطفا جديدا نحو تكريس مقتضيات الشرعية الدستورية بعناصرها المعروفة ، لولا بعض المنقصات التي سنعرض لأهمها اجمالا في هذا المقال .
لقد توفرت للرئيس غزواني أهم مقتضيات الشرعية الدستورية بعناصرها الأساسية من شرعية الأحوال والتمثيل والانجاز، فقد حصل في سابقة هي الأولى من نوعها في التاريخ السياسي لهذا البلد على إجماع واسع من مختلف القوى السياسية حتى لقب عشية ترشحه بمرشح الاجماع الوطني، في إشارة واضحة إلى مدى القبول الذي حظي به في تلك الانتخابات ، كما أنه حصل في الشوط الأول من تلك الانتخابات على نسبة تمثيل شعبي معتبر وصلت 52% من أصوات الناخبين، وهي نسبة تدل على مصداقية ونزاهة هذه الانتخابات وتعزز من التسليم بشرعية التمثيل الانتخابي لهذا الرئيس .
، ومع أن شرعية الإنجاز – وخاصة في بلد ينتظر مواطنوه الكثير من الآمال التي لا تزال ثاوية في برنامج هذا الرئيس المعروف بتعهداتي – تحتاج إلى وقت أطول مما نحن بصدد الحديث عنه، إلا أن ما تحقق من هذه الشرعية يمكن اختصاره حصريا فيما حصل من فتح التحقيق في بعض ملفات ما بات يعرف بفساد العشرية والانفتاح المشهود على مختلف القوى السياسية والجمعوية، مما اسفر عنه تطبيع واضح في الحياة السياسية بعد أن ظل أي هذا التطبيع مفقودا لما يربو على عقد ونيف من الزمن ، هذا فضلا عن مواجهة الآثار الكبيرة لتداعيات وباء كورونا المستمرة ومحاولات فتح أفاق جديدة لإصلاح التعليم والصحة وغيرها.
ولئن كانت جائحة كورونا العالمية ما زالت تلقي بظلال كثيفة على قدرة الرئيس في الوفاء بتعهداته رغم المساعي الحثيثة للوصول إلى منصات الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي، فإن العديد من المنقصات الأخرى ما زالت تحول دون بلوغ تلك التطلعات ولعل من أهمها :
– إشكالية بقاء وتدوير نفس المسؤولين- مع استثناءات محدودة – في صدارة تدبير الشأن العام ، وكأن هذه البلاد مصابة بالعقم ، إذ لا وجود في مراكز صناعة القرار، إلا لمن لفظهم حصاد سياسات الأنظمة البائدة ، فلا معنى أبدا أن يستمر تدوير وزراء عقود ولد الطائع وولد عبد العزيز وجعلهم أساسا لأي تطلع نحو الأفضل .
– عدم الحسم في القضايا العالقة وأولها قضية الفساد، فلا أمل في نهوض هذا البلد من وهدة التخلف رغم الموارد الضخمة إلا بالضرب بيد من حديد على المفسدين وتصفية مختلف الملفات والشبهات المثارة في هذا الصدد، وذلك عبر قضاء عادل ومستقل يضع الأمور في إطارها الصحيح، فينصف الوطن والمواطن من كل مظاهر الغلول والاستحواذ غير المشروع على المال العام.
– وضع حد لحالة الجمود حد التكلس التي تطبع واقع الإدارة العامة ، فمن يدخل إلى أي مرفق من المرافق العامة للدولة يفاجأ بحالة الفتور والعجز عن معالجة المطالب اليومية الملحة للمواطنين ويصطدم ببيروقراطية مقيتة تدفع إلى الاعتقاد بأن كل شيء ثابت في مكانه لا حياة فيه، وأن المركزية القاتلة التي ظلت تربط كل شيء خلال العقد الماضي بالرأس ما زالت أثارها وتبعاتها ماثلة في تدبير الشأن العام ، فقط كلما تغير هو أنها انتقلت من الرئيس للوزراء حسب ما يشاع ، وثلة قليلة جدا من أصحاب الحظوة والاستئثار لدى هؤلاء – وقد لا تتجاوز عد أصابع اليد من الجهاز البيروقراطي المترهل داخل كل قطاع – هي التي تستأثر بفرصة اشراكها من الوزير فيما يجري من أمور .
– التفرغ لمختلف القضايا العادلة ووضع حدد لحالة الغبن والظلم التي باتت تمتطيها مختلف القوى الانتهازية لزرع خطابات التشرذم والانقسام التي تنخر جسم نسيجنا الاجتماعي وتنذر بمخاطر جمة على مستقبل التعايش في بلادنا، فلا معنى لأن تبقى الدولة تتفرج على دعاوى التمزيق والتفكيك والنفخ في اشرعة الشرائحية والفئوية والقبلية والعنصرية وكأن الأمر يحدث خارج مقتضيات أمننا الوطني .
لا شك أن منقصات الشرعية الدستورية في بلادنا تبدو مرتبطة في عمومها بشرعية الإنجاز، وهذا ما يجعل الحديث عنها بعد مضي ما يقرب من العام ونصف على تولي الرئيس محمد ولد الشيخ غزواني أمانة تسيير الشأن العام أمرا مطلوبا، بل وملحا، وذلك تذكيرا بأهمية الحفاظ على هذه الشرعية وتشخيصا لأهم المنقصات التي مازالت تحول دون السير حثيثا نحو تحقيقها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى