مغالطة “وفاء الوزيرين ” /
لا يختلف اثنان في هذه البلاد اليوم في حقيقة حربائية السياسيين الموريتانيين وتلونهم وتكيفهم مع إرادة كل حاكم سلبا وإيجابا، كما لا يختلف الناس والرأي العام في قبح ظاهرة الحربائية المشينة ومقت سلوك أصحابها، و وعيِ الرأي العام إزاء ضرورة العدول عنها نحو شيء من الممارسة الأخلاقية في الشأن العام والوفاء للمبادئ السياسية يرفع من مكانة الفعل السياسي ويعيد الاعتبار للمشهد للسياسي العام.
إن مقتضيات تخليق السياسة تفرض بإلحاح الابتعاد عن مسلكيات الحربائية والتملق والنفاق السياسي وغيرها من المثالب السياسية المشينة، لكنها بالقدر ذاته ـ بل وأولى من ذلك ـ تحتم الكف عن التعصب للدفاع عن جرائم نهب المال العام، وممارسة الاستبداد بشتى أنواعه، والوقوف ـ وحتى الجلوس ـ خلف الضالعين فيه والمتهمين به والمشتبه فيهم، ومحاولة الاصطفاف في صفهم العشري القليل على عد الأصابع.
وبكلمة حق أريد بها باطلُ الوقوفِ إلى جانب رئيس سابق حكم البلاد طيلة عشر سنوات أو أكثر، مثلما يراد بها باطلُ الاستقطاب للوقوف خلفه بعد أن أنهى مأموريتين من الفساد المدمر، وحاول خرق حواجز الدستور وخطوطه الحمر نحو المأمورية الثالثة بطريقته الاستبدادية الخاصة التي زادت ارتفاع منسوب التلون والتقلب والتنكر للمبادئ السياسية السامية والمكتسبات الوطنية الكبرى، ليستمر باطل محاولة تكريس مغالطة الوفاء لمؤازرته وهو يحاول الالتفاف على السلطة من خلال نافذة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بعد أن فشلت محاولات المأمورية الثالثة، ثم استحضار المغالطة بباطل الوفاء عند الجلوس خلفه، وقد انفض الجمع السياسي من حوله لبطلان ما هو عليه ويحاوله، ولفظاعة ما أفضت إليه التحقيقات من فساد ونهب وتخريب وتدمير لأصول الاقتصاد الوطني؛ بذلك يحاول كثيرون أعمى بعضهم هول انحدار الحربائية السياسية ـ الذي وصل إليه الوطن جراء الأداء السياسي والتدبير المنحط طيلة العشرية ـ عن معرفة حقيقة معنى الوفاء للناس وللوطن وللمبادئ حتى انخدعوا بموقف كل من الوزيرين السابقين سيدن عال ولد خون واسلكو ولد احمد ازيد بيه فطفقوا ينخرطون في مغالطة كبيرة للرأي العام والبرآء عنوانها الوفاء والشجاعة الخارقة على صعيد المنطقة التي ينحدران منها.
ولو اكتفى هؤلاء المغالطون بالوقوف عند حق الرجلين الفردي في اتخاذ هذا الموقف المناصر لذلك الباطل المجافي لفضيلة الوفاء بغض النظر عن الدوافع الشخصية والأسباب الأساسية له، لكان الأمر مستساغا ومفهوما ومسكوتا عن مجاهيل تلك الأسباب والدوافع التي لا يعرفها أغلب هؤلاء المخدوعون وأولئك المغفلون.
بَيدَ أنه لما حصل من هذه المغالطة الكبيرة تجن على منطقة أو ولاية كاملة من الوطن وأفرغت مواقفها الرافضة للوقوف إلى جانب الباطل السياسي والأخلاقي والتعصب له؛ فإن أي مهتم بالشأن العام الوطني أو المحلي أو المناطقي يعرف كثيرا من حقائق الرجلين، وقد جمعته مع كل منهما تجربة وسوابق إما سياسية أو معرفة شخصية أو شهادة وصلته عنهما سلبا من خلالها ممارستهما لتدبير الشأن العام الوطني والمحلي ليس معذورا في السكوت على التجني على جهة ومنطقة بكاملها واختزال مواقف أهلها النبيلة الصادقة اتجاه الوطن في موقف لم يرتكب الرجلان خطأ سياسيا أفدح منه طيلة تاريخهما السياسي. وتاريخهما السياسي بكل ممارساته ومساراته كفيل ببيان زيف دعاوي الوفاء الطارئ للمبادئ والقيم.
وفي هذا الصدد يكفي أن تبحثوا عن مدى تنكرهما للعهود التي يقطعها عليهم واجب الوفاء للقواعد الانتخابية وحتى الوفاء للمواقف الشخصية مع أي منهما عبر مسارات السياسة والزمن وأحوالهما المختلفة، لتروا أن هذا الوفاء السموألي الذي تخلعونه على الرجلين اليوم مجرد خطإ في فهمكم ومعرفتكم للوفاء وأنتم معذورون في جهله لندرته في عالم السياسة خصوصا في بلادنا، فاعرفوا الوفاء حتى تعرفوا أهله.
إن هناك قاسما مشتركا من التنكر يجمع الرجلين يكفي وحده لاختبار مدى وفائهما للعهود مع الأشخاص والمبادئ في السياسة والاجتماع، هو أن كلا منهما قد أبدل انتماءه القبلي المحلي الحوضي بانتماء آخر قبلي وجهوي طارئ بالأمس، هو المحرك الأساسي لمسارهما السياسي الحالي، الذي أملى ـ مع غيره ـ على كل منهما مناصرة ولد عبد العزيز والمكابرة في الجلوس خلفه وسط زغاريد مناضلات “سناب شات” وتصفيق المتحمسين القبليين، فهل بعد هذا من تنكر وتلون وحربائية؟!
كما يشترك الرجلان فيما بينهما في قواسم أخرى مع رئيسهما الذي يجلسان ويقفان خلفه ـ وفاء مزعوما ـ في الأنانية والنرجسية والصدامية وهواية الصراع وهو ما يترجمه صلف سلوك كل منهما من خلال ممارسته للسياسة وتعاطيه مع عامتها، ويدونه قلم الوزير “العازف”! فهل يجتمع الوفاء للناس والأشخاص وللوطن وثوابته التي توجه بوصلة المبادئ مع هذه الخصال؟! ألا تشكل هذه الخصال أكبر دليل على الوفاء للمصالح الذاتية والسعي خلف الامتيازات الشخصية التي لم ولن تتحقق للرجلين إلا مع من يقفان خلفه ويوهمان بالوفاء له؟! هل يمكن أن يمارسا هوايتهما خارج نسق حكمه الإقصائي وتدبيره السياسي الأرعن؟! أي وفاء إلا لإرادتهما الشخصية ونمط تفكيرهما في الحكم والتدبير حتى في تدبير شؤون الجيب!؟
إني أعرف بالشهود والقرائين والبراهين من حربائية الرجلين وتنكرهما حتى لرفاقهما السياسيين وأعوانهما الاجتماعيين، ومن كانوا أسبابا في “وصوليتهما” والكيل لكل طرف سياسي من عرض خصمه، ما لا يترك مجالا في الذهن لهذه الصور المثالية التي تحاولون رسمها عنهما جهلا بهما، ولا يدع احتمالا لوفائهما لأي مبدإ أحرى أخلاقيات السياسة والتزاماتها ومقتضيات مبادئها.
لو كان الوزير “العازف” وفيا للمبادئ السياسية لما قلب المجن ـ عند أول اختبار ـ للمعارضة التي ركب أمواجها على ظهر كل من حزب التحالف الشعبي التقدمي وتكتل القوى الدمقراطية، فهو في البقاء هنا والصبر مع الرفاق أمام جميع المغريات أكثر إقناعا بالوفاء للمبادئ منه في حال تمسكه بموقفه الحالي المحسوب عليه لا له، ضمن 11 شخصا من 3 ونصف مليون نسمة، بعد أن وجد نفسه هو ورئيس قائمة الـ11 خارج دائرة التأثير السياسي، نتيجة سوء تقديرهما واستشرافهما السياسي وجمود نظرهما المفضي إلى مكانتهما في صدارة طرف الصراع الداخلي المهزوم.
من أبرز الأخلاق السياسية للوزير السابق سيدن عالي ولد محمد خون هو تنكره المألوف والمعروف لقاعدته الانتخابية المحلية التي هي رافعة “وصوليته” السياسية التي هيمن بها منذ عقود على المشهد السياسي في مقاطعة أمرج واحتقاره لها وتبرمه من التزاماته إياها عند انقضاء الحاجة من أصواتها في كل موسم سياسي، وقطع الصلة بها وقوفا عند حد عبارته الشهيرة “نحن نعرفو أهل المنطقة ونعرفو الوقت الي نجوهم فيه” وقد كانت وتيرة هذا التنكر والاستخفاف والزهد في المحيط المحلي بكل امتداداته الطبيعية تتصاعد مع تصاعد مؤشر نفوذ معاليه خلال العشرية الغاشمة وتقوية صلته بالانتماء القبلي الطارئ، فهل في هذا من وفاء؟! أليس هؤلاء أولى وأحق بوفائه ومؤازرته؟.
هل تجاوزت أفعال التدبير الشخصي للسيد سيدن عالي ولد محمد خون ـ حتى ما كان من تلك الأفعال زبونية على طريقة الساسة في هذا البلد طيلة العشرية ـ أفرادا من محيطه الأسري الضيق جدا إلى غيرهم ـ اقتداء برئيسه الواقف والجالس خلفه ـ إلا ما حصل في سياق الزبونية الجديدة داخل الانتماء الجهوي والقبلي الطارئ، أو لاستغلال فرص النفوذ وبيعها لبناء علاقات تجني نفس العائد النفعي الشخصي والأسري الضيق، عملا بـ”قاعدة التعب لكم معشر شباب وسكان المقاطعة الكادحين والأجر من الحظوة والامتيازات ليوسف”؟!
ألم يشكل ذلك الرجل حاجزا صلبا في كل مكان قفزت به إليه “وصوليته” طيلة حكم رئيسه المتمسك به؛ انسجاما مع عقليته ونمط تدبيره سدا منيعا أمام كل شاب من أهله وأبناء مقاطعته وصل لأي مكان أو مستوى أحرزه ـ بعد إرادة الله ـ بتصميم إرادته، ومن عرق جبينه، في لحظة تحقق طموحه ليرده إلى نقطة الصفر، أو يسد مسار طموحاته المحتملة ونجاحاته المتوقعة وترقياته المستحقة؟! من هذا تدبيره وهذه ممارسته هل يخطر على بالكم منه وفاء للمبادئ السياسية والقيم الإنسانية؟!
إنه نفس السد والحاجز الذي يطوق آمال وأحلام ونجاحات الشباب والشابات وحتى الشيب في كل مكان يخول لزميله “العازف” ممارسة نزواته الإقصائية للأقربين، ولكم في قصة إحدى موظفات الرئاسة الأعرف بها وبذويها إحسانا ومواساة في ساعة العسرة عليه حالة مشككة في وفائه، كما لكم في أحد موظفي الخارجية ـ له عليه من والده نفس المنة وزيادة ـ مثالا على ذلك حيا وصارخا، فأي وفاء هذا الذي عنه تتحدثون وبه توهمون؟!
إنكم توهمون الناس وتخذلون الوطن في هذه المرحلة السياسية شبه المؤسِّسة لكثير من المفاهيم والممارسة السياسية الجديدة في بلدنا، بإضفاء صفتي الوفاء للمبادئ والأشخاص، والتخلق بالأخلاق والقيم على هذين السيدين الذين وافيتكم بنزر – وفي جعبتي الكثير – مما عرف عنهما في التدبير الفعلي والممارسة السياسية والمعاملات الشخصية، فابحثوا عن حقيقة الوفاء للمبادئ لمنقطة الشرق و ولاية الحوض في غير هذه السموألية الزائفة، وهي هناك كثيرة أرجو أن يتنزل هذا المقال ضمنها إحقاقا للحق وإزالة للغبش وصد التلاعب بالأوصاف والألقاب، و وقوفا في وجه تمييع وتحريف المفاهيم المؤدي إلى الانحراف في الممارسة السياسية، وبقية السلوك الإنساني.
من صفحة الكاتب :
المصطفى ولد محمد المختار