المعارضة الجديدة و مأزق الحوار / بقلم عبد الصمد ولد أمبارك
حظيت عبر الإعلام و وسائل التواصل الإجتماعي ،بمتابعة المؤتمر الصحفي الذي عقدته بعض الأحزاب السياسية ، يوم أمس في العاصمة نواكشوط، تنتمي لخانة المعارضة الجديدة في البلد، من خلال البيان السياسي الذي تمت قراءته و تجدد حوله النقاش الدائر في وقائع النقطة الصحفية، في تباين واضح حول المضامين و الحيثيات التي حملها خطاب بعض القادة التاريخيين من حدة في اللغة و نبرة في التعاطي مع الشأن العام ،بأسلوب غير لائق و لا يتماشي و المكانة التي يحظى بها الرمز الوطني في كيفية تدبير أمر الشأن السياسي للبلد، خاصة مسلك الخطابات الشعبوية في إستعمال المصطلحات الغريبة على ثقافة و أدبيات الفكر السياسي المعاصر و ما تحمله من إساءة للعمل السياسي الكريم في معانيه و دلالاته و مقاصده العقلية والمنطقية.
تحدث البيان السياسي عن أزمة سياسية خانقة تنطوي على صراع محتدم بين مكونات الشعب الواحد ، في لهجة تعاطفية تمس في الصميم من التعايش السلمي و ضرب مقومات الوحدة الوطنية التي ظلت حصنا منيعا ،تتكسر عليه كافة المحاولات الفاشلة و اليائسة، التي هي سلعة متجاوزة الصلاحية و لم تعد تجدي من سلاح في كسب رهانات العملية السياسية الحديثة. التي إنطلقت من جديد عبر قواعد و مقومات التأني و المصداقية مع الشفافية في تدبير الشأن العام، حيث الأحزاب السياسية تمارس النشاط السياسي وفقا للحقوق و الحريات المكفولة دستوريا و مضمونة عبر التواصل الدائم مع رئيس الجمهورية بشكل منتظم ، أفضى إلي الهدنة و التعايش المشترك بين كافة أقطاب المعادلة السياسية من الموالاة و المعارضة، بشكل سلس و مرن في تسيير شؤون البلاد و العباد، مكن من مصالحة موريتانيا مع ذاتها عبر تضميد الجراح و معالجة جل الإشكالات المطروحة بالتشاور و تقارب وجهات النظر ، بعد أن ظلت البلاد تعيش على وقع إحتقان سياسي دامي في جل حلقات مسلسله المنصرم.
زيادة على المكسب السياسي ، تم التعاطي مع المكون الإجتماعي بالواقعية و الحكمة و الحنكة في تدبير الغبن و التهميش للطبقات الحقوقية المعنية من كافة مكونات شعبنا ،من خلال العناية المجسدة عبر القوانين و النظم و البرامج الحكومية ، الهادفة إلي معالجة الإختلالات البنيوية التي هي إرث تاريخي ،يتطلب مقاربة تكاملية و شمولية وضعت على أسس من العقلانية التي تضمن النتائج المتوخاة منها، عبر التضامن و التآزر الإجتماعي الكفيل بتحقيق الإنسجام الكلي لكافة الشرائح ، وفقا لمشروع مجتمعي قائم على العدالة و الإنصاف ،و مؤسس على القيم الجمهورية في ظل دولة الحق و القانون.
فالحوار أسلوب ديموقراطي و حضاري، يتم اللجوء إليه وفقا لضوابط و مؤهلات حسب ظروف الزمان و المكان، لحل الإشكالات المطروحة سبيلا لتجاوز العقبات القائمة و تذليل الصعاب بين مختلف الأطراف ، مهما كان مصدرها و مرجعيتها الإيديولوجية و حتي خلفيتها السوسيو إقتصادية، بعد مقتضيات الأزمة السياسية ، عكس التشاور الذي هو نهج متمدن و أسلوب سياسي حديث و راقي ، تعتمده الأنظمة المنفتحة على مختلف الطيف السياسي في التعاطي مع القضايا الوطنية . الشيء الذي يفرض على جميع أفراد المجتمع السياسي الموريتاني ، إحداث تحول ديموقراطي في المشاركة السياسية الذاتية و الجماعية ،من أجل إنجاز المهام المصيرية كضمان الأمن والإستقرار و الحفاظ على الوحدة الوطنية مع تحقيق مستوى مرضي من التنمية ، الكفيلة بالديمومة بالظروف المعيشية الحسنة ،في ظل ظرفية صحية دولية إستثنائية، يمر بها العالم و مازال التعتيم سيد الموقف حول التداعيات و المخاطر و التجليات المأساوية لعالم ما بعد كورونا.
الظرفية الحالية لواقع البلد تتطلب تصحيحا و تقويما، يتماشى مع ما تمليه مصلحة البلد من التنازلات ،قصد الخروج من نفق مترامي الأطراف ، لنسلك معا طريق السلم و الأمن الإجتماعي عبر مقاربة تشاركية تستلهم هموم المواطنين و تلامس الإنشغالات اليومية ، بعيدا عن المحاباة و المغالطة العمياء التي لا تصب في مصلحة البلاد و لا العباد ، بل العزف على أوتار لم تعد قابلة للتأقلم مع مستجدات المشهد السياسي ،الذي رتبت معالمه وفقا لضوابط التعايش السلمي و مرتكزات العيش المشترك، القابل للبقاء في محيط إقليمي و دولي ساخن القيم و المعالم و متغير المصالح و الإهتمامات. الشيء الذي يتطلب الحكمة و الحنكة في وضع خارطة طريق عقلانية و موضوعية ، كي نقلع بموريتانيا إلي بر الأمان متماسكين، بعيدا عن المطالب الطوباوية التي لا تستند على أي أساس من المنطق .
المعارضة اليوم مطالبة بمراجعة مواقفها ، خارج سرب الأجواء المشحونة و الأحكام المسبقة ، التي لن توفر الأرض الخصبة لبنية قابلة للتشاور و لا حتي الجلوس على طاولة مفاوضات ، بإرادة و نية صادقة تمهد لبناء الثقة ، لتضييق الهوة بين كافة الفرقاء السياسيين ، و تبعث على الإرتياح و الأمل في مكسب الإجماع الوطني الذي زرعه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ،بإرادة صادقة مع السعي الدائم لسنة التوافق حول مجمل القضايا الوطنية و ما يشكله ذلك من مصداقية تعتبر درعا و حصنا منيعا للنظام الديموقراطي عبر تجلياته في توفير الإستقرار و السلم الأهلي. أمر يتطلب من القادة السياسيين الوعي بالمسؤولية الملقاة على عواتقهم في مثل رفع التحديات ، خاصة إذا تعلق الأمر برمز وطني بحجم مسعود ولد بلخير و دوره النضالي و الحقوقي و مكانته الريادية في التعاطي الإيجابي مع القضايا الوطنية البناءة، التي تضمن تكاتف الجهود في تحقيق الصالح العام ،خدمة للوطن و المواطن .