النعمة ويب تنشر بيان تخليد الذكرى ال37 لإنتفاضة 84 الناصرية
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان تخليد الذكرى الـ37 لانتفاضة 1984 الناصرية
{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} صدق الله العظيم
السادة والسيدات المدعوون الكرام
أيها الإخوة أيتها الأخوات
حين نلتئم اليوم في هذا الجمع الكريم لتخليد الذكرى ، فإنما نؤدي الحد الأدنى من واجب الوفاء للشهداء الذين قدموا أرواحهم في مواجهة الاستبداد والفساد، وفي سبيل تقدم بلدنا العزيز وازدهاره، وللإشادة بمئات المناضلين والمناضلات الشرفاء الذين شاركوا في تلك الانتفاضة في جميع أنحاء البلاد، وقدموا خلالها تضحيات رائعة في السجون والمعتقلات وخلال المظاهرات والإضرابات، ومن أجل إطلاع الأجيال الشابة على صفحات ناصعة من سجلات التضحية والبذل والفداء، شحذا للهمم من أجل مواصلة مشوار النضال الوطني التقدمي الوحدوي، خدمة للوطن والمواطن.
مثلت انتفاضة 1984 الناصرية لحظة فارقة في تاريخنا السياسي المعاصر، فقد جاءت تعبيرا عن رفض الطلائع الثورية في المجتمع لحالة الاستكانة لواقع الغبن والتهميش والبؤس المفروض من طرف نظام ديكتاتوري مستبد، حول الوطن إلى سجن كبير لكل الأحرار، واستعدادها لتحمل أكبر مخاطرة، وبكل مسؤولية في تلك الظروف، وهي كتابة (لا)، على الجدران في مختلف مدن البلد في ليلة واحدة، وكانت (لا) شاملة ومعبرة، عن مختلف جوانب معاناة الوطن.
ففي مواجهة الاستبداد كان شعار: (لا للتحالف العسكري الرأسمالي) رفضا لابتزاز المواطنين بالدعايات الجوفاء، ضريبة التبرع = ثراء الحاكمين)، أما قطع منح التلاميذ وطردهم، وتسريح العمال وإهمال المواطنين في القرى والأرياف، فعبرت عنه على التوالي شعارات: (لا لطرد التلاميذ والطلاب)، (لا للتسريح الجماعي للعمال)، ( لا لإهانة شعبنا في الريف).
أيها الإخوة أيتها الأخوات
يتزامن تخليد ذكرى الانتفاضة هذه السنة، مع تداعيات جائحة كورونا التي أبرزت بجلاء أن مستقبل الشعوب والدول مرهون بتشابك سواعد أبنائها من أجل بناء أسس استقلال صلب، يتخذ من الشخصية الثقافية والحضارية للبلد منطلقا لاستنهاض المجتمع لتعزيز مشتركاته وتقوية وحدته سبيلا لابتكار أحسن المقاربات لاستغلال وتثمين مقدراته الاقتصادية والبشرية، وصولا لتحقيق تنمية مستقلة تتخذ من الإنسان غاية ووسيلة.
هكذا حضر الناصريون لتكريم شهدائهم وتثمين نضالهم
هكذا حضر الناصريون لتكريم شهدائهم وتثمين نضالهم
إن هذه الدروس المستخلصة من تجربة مواجهة جائحة كورونا هي نفس المثل والأهداف، التي كان النضال من أجل تحقيقها ساحة الفداء التي عبدتها دماء شهداء انتفاضة 1984 المجيدة.
ومع أن هذه الانتفاضة لم تخرج عن سياق إطارها السلمي، ولم يسجل خلالها اعتداء على ملكية عامة أو خاصة، فقد واجهها النظام بقمع وحشي لا مثیل له تلته حملة اعتقالات شاملة لمئات من التلاميذ والطلاب والعمال والأطر مارس عليها النظام أفظع صنوف التعذيب الوحشي داخل مخافر الشرطة والدرك في مختلف مدن البلد.
وكان من نتائج هذه الحملة القمعية الوحشية استشهاد الشهيدين سيد محمد ولد لبات الإطار بالشركة الوطنية للمحروقات يوم 13 إبريل 1984 بمدرسة الشرطة بنواكشوط وأحمد ولد دداه ولد أحمد محمود التلميذ بثانوية أطار ظهيرة يوم 3 مايو 1984 بمفوضية الشرطة بأطار.
أيها الإخوة أيتها الأخوات
لم يتمكن النظام الاستبدادي من إيقاف الانتفاضة، بل ظلت جذوتها مشتعلة، وتوسع الاحتضان الشعبي للحركة الناصرية، وتوالت إدانات المنظمات العربية والإفريقية المدافعة عن حقوق الإنسان للنظام القائم، فأصبح يعاني عزلة خانقة على المستويين المحلي والدولي، مما أجبر بعض أركانه إلى الإطاحة برأس النظام وبعض مقربيه في انقلاب عسكري في 12/12/1984.
أيها الإخوة أيتها الأخوات
من أهم النتائج التي حملتها هذه الانتفاضة، أن الناصريين استطاعوا في 1984 تفجير وقیادة انتفاضة شعبية عبرت عن رفضهم للواقع، وحملت مضمونا اجتماعيا واقتصاديا استطاع تمثل معاناة المواطن الموريتاني وطموحاته فكانت التجربة الوحيدة في البلاد التي قدمت شهداء تحت التعذيب ومن داخل السجون من أجل مشروع الدولة الوطنیة.
أيها الإخوة أيتها الأخوات
رغم التحليل الاستشرافي الذي قدمه الناصريون سنة 1984 من خلال بيان الانتفاضة الأول الذي دق ناقوس الخطر وحذر من مغبة التبني الأعمى لليبرالية المتوحشة خاصة في مجالات الخدمات الاجتماعية الأساسية (الصحة والتعليم) فقد سارت الحكومات المتعاقبة خلال العقود الأربعة المنصرمة، وفق النهج المفروض من طرف مؤسسات التمويل الدولية بأنساقه المختلفة فتم توقيف الاكتتاب في الوظيفة العمومية وتصفية كافة مؤسسات القطاع العام من طرف إدارة فاسدة لصالح قطاع خاص طفيلي مما تسبب في نهب واستنزاف خيرات البلد وثرواته في مختلف القطاعات وضياع حقوق فئات عريضة من المجتمع تركت فريسة للاستغلال والسخرة الأمر الذي فجر سلسلة أزمات مالية، وقد أدت هذه الوضعية إلى احتجاجات اجتماعية خلقت حالات من الانهيار الأمني والتقلبات السياسية المتكررة اكتست ألوانا وأبعادا متعددة مع ونهاية القرن الماضي أحدثت شرخا عميقا في المجتمع الموريتاني وانحرفت به عبر دروب فرعية من الصراع الهوياتي عن همومه الحقيقية الجامعة المتمثلة في ثالوث: التخلف والغبن والاستبداد. وعطلت حركية نضاله الوطني من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية.
لقد نتج عن هذه التراكمات – وما جد اليوم من تطورات في المجال السياسي وفي ميدان استخدام المجتمع لوسائل التواصل الاجتماعي الجديدة وما عرفه محيطنا الإقليمي والقومي من أزمات – جملة من التحديات الراهنة تتفاوت شمولية وحدة. وتتفرع عن تحد رئيس ناظم لكل الإشكالات والمعوقات التي يعيشها البلد.
ويتمثل هذا التحدي الرئيس في ضياع أو انحراف المشروع الوطني الجامع من خلال اتجاه كتل من النخبة السياسية والمدنية إلى استغلال مجموعة من القضايا الاجتماعية والثقافية والحقوقية خارج سياقها الوطني الجامع للتعبير عنها من خلال أطر فئوية، عرقية أو قبلية مغيبة بذلك مطالب التنمية الوطنية الشاملة جانبا، الشيء الذي سمح لحكومات ينخرها الفساد وتتخبط في أوحال العجز بانتهاز فرصة انشغال النخبة عن مطالب التنمية الوطنية لتعمل على تجذير كل أشكال الخلافات بين مكونات المجتمع، ولتعطل النصوص الدستورية والقانونية المجرمة لكل المسلكيات التفريقية لكيان المجتمع والدولة، حتى يبقى الشعب منشغلا بالصراع الهوياتي بين أعراقه وفئاته عن عمليات النهب والتبديد المتواصلة لثرواته ولتظل مهام تحقيق الاستقلال الوطني بكافة أبعاده مؤجلة إلى أجل غير مسمى.
أيها الإخوة والأخوات
إن الناصريين المخلدين للذكرى 37 لانتفاضة 1984 المجيدة وانطلاقا من حالة التهدئة السياسية الحالية، واتجاه النخبة السياسية لاتخاذ الحوار سبيلا وحيدا لتجاوز الخلافات، وتعزيز المشتركات، يتطلعون إلى
– تحويل تلك التهدئة إلى استقرار، أمني، سياسي واجتماعي على أسس صلبة والانفتاح الجاد والفعال على جميع القوى السياسية الحية
– الالتزام بدستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية نصا وروحا، وإيقاف الجدل حوله، خاصة ما يتعلق بهوية البلد الدينية والحضارية ضمن دوائره العربية والافريقية والإسلامية ووحدته الترابية ووحدة شعبه، وآليات التداول السلمي على السلطة.
– التأكيد على تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع مناحي الحياة الوطنية.
– إصدار قانون نظامي لتفعيل المادة السادسة من الدستور يؤكد على اعتماد العربية لغة رسمية للإدارة، خطابا ومراسلات، ولغة لكافة المواد المدرسة في نظامنا التربوي ويضمن كذلك إعادة كتابة لغاتنا الوطنية (البولارية والسوننكية والولفية) وتطويرها وترقيتها لإدخالها ضمن النظام التربوي الوطني.
– بلورة وتنفيذ إصلاح تربوي، يساهم في صياغة مواطن موريتاني مؤمن بوحدة بلده، متشبع بالقيم الإسلامية، ومنفتح على العصر، وقادر على المساهمة في تطور ورقي بلده وأمته، ويضمن المجانية التامة والإلزامية لتعليم نوعي، لجميع أبناء البلد، خاصة على مستوى التعليم الأساسي والإعدادي.
– المعالجة الجذرية الشاملة لمختلف أشكال الاسترقاق ومخلفاته من غبن وتهميش وإقصاء والسعي إلى إنصاف ضحاياه اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
– العمل على معالجة وتصفية كافة ملفات حقوق الانسان وإنصاف أصحابها طبقا للقانون.
– شن حرب لا هوادة فيها ضد الفساد والمفسدين تشمل فضح آليات احتضانه داخل المجتمع، وعلى مستوى الإدارة وتضمن تعزيز آليات الرقابة على مختلف المستويات وتمكن من متابعة تبييض الأموال.
-التأكيد على ولوج كل المواطنين (من تعليم نوعي وخدمة صحية جيدة، وأمن، وسكن اجتماعي، وماء شروب، وشبكات الكهرباء والاتصالات) أصبحت اليوم هي الضمانات الحقيقية لتمتع الفرد بحريته السياسية داخل النظام الديمقراطي. وإن لم يتمكن من الحصول على هذه الخدمات، فسيبقى مهيمنا على إرادته بواسطة قفازات الاقتراع الناعمة، من طرف تحالف مراكز النفوذ السلطوي والمالي داخل المجتمع.
أيها الإخوة أيتها الأخوات
إن ضمان تحقيق الاستقرار على الصعيدين الاقليمي والقومي سيبقى هشا، ما لم تعالج وتحسم الصراعات الإقليمية المحيطة ببلدنا، والنزاعات العربية والإفريقية والإسلامية، انطلاقا من وحدة وتكامل هذه الدوائر، لذلك فإننا ندعو إلى:
على المستوي الإقليمي
– السعي الجاد والفعال لإيجاد حل دائم وعادل للصراع الدائر في الصحراء الغربية، كما نطالب الحكومة بتفعيل موقف الحيادي الايجابي.
– العمل مع جمهورية مالي من أجل بلورة حل جدي وحقيقي للأزمة الأزوادية يضمن الوحدة الترابية للدولة المالية، وحقوق هذه المكونة من الشعب المالي، ويبعد تدخلات القوى الدولية.
على المستوى القومي:
– نؤكد دعمنا اللا مشروط للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب والمسلمين المركزية، التي لا تنازل عنها، مجددين اللاءات الثلاثة: لا اعتراف لا تفاوض، لا صلح رفضا، لكل مشاريع التهويد وتصفية القضية.
– الدعوة إلى الإيقاف الفوري للحروب الأهلية المصطنعة داخل الوطن العربي، (في اليمن وسوريا والعراق، وفي ليبيا)، والتي حولت بوصلة الصراع الوجودي بين العرب والصهيونية العالمية، إلى اقتتال طائفي مذهبي بين العرب أنفسهم.
– التأكيد على أن حق الشعب العربي في الديمقراطية والعدل، ونضاله المشروع ضد الأنظمة الاستبدادية، يجب ألا يكون مدعاة للتمالؤ مع القوى الأجنبية والأنظمة العربية العميلة لتدمير مقدرات الوطن وتقسيم المجتمع.
– إدانتنا هرولة بعض الأنظمة العربية نحو الكيان الصهيوني من أجل توقيع صكوك الخضوع والاستسلام
– دعوتنا لتجنيب المنطقة العربية والإفريقية لحروب مدمرة، تلوح في الأفق لذا نطالب مصر وأثيوبيا والسودان بتحكيم العقل والتوصل إلى حل عادل يضمن مصالح شعوب المنطقة.
– إدانتنا لاضطهاد الأقليات المسلمة في جميع أنحاء العالم.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، وعهدا ووعدا أن نواصل السير على دربهم.
{واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون} صدق الله العظيم
الناصريون المخلدون لذكرى انتفاضة 1984″