الرواتب والتطفيف الممنهج/ محمد سالم حبيب
موضوع الرواتب عندنا يذكرني بمثل “أرفود أهل لخله” نص أملان ونص مافيه شي.
مع تجاهل التناسبية فيه.
فكلما كان العمل المقدم شاقا، كلما كان المردود زهيدا.
الراتب عندنا يفتقد لمعايير دقيقة يتم وفقها، بدل مراعاة أسس واضحة وجملة من الاعتبارات، تمكن من توخي العدل والإنصاف فيه.
ولا أعني هنا التنغيص من رواتب أصحاب التخصصات، أو الشهادات العليا ومساواتهم مع من هم دونهم مستوى أو أن نضن عليهم برواتب مجزية، بقدر ما أقصد أساسا، ضرورة أن تخضع هذه الرواتب و العلاوات، لإعادة هيكلة جديدة، تراعي في الاعتبار جملة من المحددات من بينها مثالا لاحصرا:
مستوى شهادة الاكتتاب ونوع الخدمة وصعوبتها،
سلمها في أولويات التنمية ومكانها وزمانها…
هذه بعض معايير مع غيرها أن روعيت تساعد في هذا التفاوت الشديد في رواتب المو ظفين
وتحد من هذا الحيف والتباين غير المسبوقين.
تجد أشخاصا رواتبهم وعلاواتهم معتبرة، وما ذاك إلا بسبب خلع مجموعة من المهام والألقاب الصورية، والتي لايقدم أصحابها أي خدمة ذات بال، يحاطون بهالة من المهام غير الضرورية يمكن الحد منها، بل والاستغناء عن أصحابها قبل مهامهم المفترضة.
أقصى ما يقوم به أحد هؤلاء أن يمر بمكتب وثير، يقضي فيه قدر ما يحتسي أكؤس شاي ينطلق بعدها ووجهته.
ليقبض عند نهاية كل شهر راتبا مجزيا، إضافة إلى علاوات، تكفي لوحدها لتسديد رواتب خمسة أو ستة أشخاص من شعب الله المختار للكد وشظف العيش أصحاب الدخول المحدودة والمهام الشاقة التي يحضر أصحابها قبل الدوام والنزول بعده، تأخذ المهنة منهم جل وقتهم، بل لا يجد أحدهم – أحيانا – وقتا فترة الدوام الرسمي لتسوية بعض مهامه الخاصة،
وما أكثرها!
ومع هذه المداومة اليومية، وما يصاحبها من أعمال شاقة حكمت عليه بها طبيعة عمله؛ يضن على صاحبها براتب مجز يقيم به أوده، ويسد به بعض حاجياته، وما عليه من التزامات دائمة مطالب بالوفاء بها، إضافة لما قد يطرأ عليه من مستجدات غير متوقعة، الله وحده يعلم كيف سيكون تعامله معها حين حدوثها.
وحيال هذا الواقع والتحدي؛ ينقسم هؤلاء الموظفون أصحاب الدخل المحدود طرائق قددا، فمنهم من يعض على هذا الواقع بالنواجذ من منظار أداء الأمانة وأملا في تغيره، ومنهم من يدب فيه الكسل ويكثر غيابه، ويصير العطاء محدودا ومنتوجه المقدم في الخدمة – إن وجد – متواضعا.
بيد أن هناك فريقا آخر – أو قل إن شئت فرقا أخرى – تتبنى مقاربة أخرى تتمثل في اتباع الطرق الملتوية ليتم تفريغها أو التغطية عليها، فيبتعدون في النجعة عن القطاع منهمكين في ما تدر عليهم تلك الأعمال الموازية من مداخيل إضافية.
كان للكثير من هذه المسلكيات، كبير الأثر على تواضع ما يقدم من خدمات في جميع مرافق الدولة التي عانت الأمرين من هذه الظاهرة.
وهو ما ينبغي أن يدفع بالدولة كما قلت سابقا، لإعادة النظر في طبيعة هذه الرواتب، ووضعها على أسس تضمن ديمومة العمل وجودته ومراقبة أداء الموظف، تحفيزا ومحاسبة، وهو ما لايتأتى إلا بتوفير راتب يضمن الحصول على أبسط الخدمات الضرورية، ويتناسب مع ما يقدم من خدمات.
كل ذلك مع وجود محفزات إضافية تدعو وتشجع على التنافس الايجابي بين مختلف طبقات الموظفين بما يضمن أقرب الطرق الموصلة إلى الإصلاح الذي ينشده الجميع، أما وإن سلكت طرق أخرى إليه، لاتمر بمحطة تسوية مشكل الرواتب، فاحكم على ذلك المسار مسبقا بالتيه والضياع وخسارة الوقت.
“وما ينبئك مثل خبير”